النظرية النسبية الخاصة

النظرية النسبية الخاصة

تقدمت ثريا العالم لخطوبة طالب الموالي على أن تتزوجه قبل أن يفوتها قطار الزواج وهي في ريحان عمرها الـ 23، هو شاب في نفس عمرها – 23 سنة، ولأن طالب ثري ومن خيرة الشباب خلقا وهو يتناسب معها في المستوى العلمي ولأنه وسيم أحبته كثيرا، طلب أبو طالب من أبو ثريا مهرا ضخما لا يمكن لها تحقيقه على الأرض، ثريا عالمة كبيرة ومرموقة في علم الجيولوجيا، وكانت تعمل في “وفع” (وكالة الفضاء العالمية في تخصص علم الآثار الكونية)، في الأيام المقبلة كانت ستكون هناك رحلة تنطلق من الأرض إلى كوكب “أوران 4”،  يبعد ذلك الكوكب عن الأرض قدر 3 سنوات ضوئية، ولحسن حظها أن في هذا الكوكب من المعادن ما يغطي حاجتها من المهر وأكثر، فذلك قررت أن تسافر إلى إليه لترأس باحثي الجيولجيا ولجلب مهر طالب.

قد علمت ثريا من علماء الفيزياء أن رحلتها ستستغرق 3 سنوات، وستبقى في “أوران 4” مدة لا تزيد عن سنة، ثم تعود مرة الأخرى إلى الأرض، ففرحت لذلك كثيرا وخصوصا أنها ستعود لحبيبها حينما تكون في سن الثلاثين، فسيكونا قد نضجا سويا، فاتفقا أن ينتظرا بعضها البعض المدة كلها، وإن كان بالحدود القصوى للصبر، انطلقت المركبة بتاريخ 1/1/2190، وكانت تلك المركبة هي أسرع مركبة صنعت على الإطلاق، فسرعتها كانت تصل إلى 95% من سرعة الضوء (أي حوالي 285000 كم/ثانية)، فاتجهت إلى “أوران 4”، وفعلا وصلت بعد 3 سنوات، وبقيت ثريا تشرف على العلماء مدة سنة، واستخرج العلماء أجود وأغرب المعادن فأبقت لنفسها أفضلها، وبعد انتهاء المدة عادت في رحلتها الأخيرة والتي مدتها تساوي الأولى (3 سنوات) حتى تصل متلهفة إلى باب بيت طالب، وطرقت الباب باستعجال، لتلتقي بطالب، فنظرت إليه باستغراب، لم تكن لتعرفه جيدا، تبدو عليه ملامح الكبر، نظر إليها طالب، باندهاش، هل هذه ثريا؟ هل يعقل؟ لقد غابت عنه 20 سنة. عمرها 30 سنة، وعمره 43 سنة.

كيف يمكن أن يكون طالب أكبر من ثريا بـ 13 سنة؟ هل يعقل ذلك؟

من الناحية العلمية، هذا الكلام صحيح 100% سواءا أكان ذلك نظريا أم بالتجربة أو البرهان، إذا كنت تعرف النظرية النسبية الخاصة فلربما لن تفاجئ بالمعلومات التي ستلي، ولكن إن كنت لا تعرف هذه النظرية التي استخرجها آينشتين، فلربما ستتغير وجهة نظرك للعالم الذي حولك، وأن ما تعرفه من حقائق هي  ناقصة، ستكتشف إن النظرية النسبية الخاصة مخالفة للمنطق السائد وما نعرفه بأنه الواقع.

نيوتن والفضاء والوقت

حسب نيوتن أو حسب الفيزياء الكلاسيكية، الثوابت هما الفضاء والوقت، فالفضاء هو المرجع لأي متحرك (الفضاء المطلق أو Absolute Space)، فأي متحرك تقارن سرعته بالفضاء فيقال أنه يسير بسرعة كذا، وبالنسبة لنيوتن ايضا فإن الوقت يجري مجرى النهر، ففي أي مكان في الكون الوقت يجري بنفس السرعة، فلا فرق أن تكون في على كوكب الأرض في المجموعة الشمسية في درب التبانة أو في كوكب آخر في مجرة أخرى بعيدة عنا مئات الملايين من السنوات الضوئية، ولو أن ثريا سافرت إلى أوران 4 لتعود بعد 7 سنوات سيكون عمر طالب متساويا لعمرها، وربما تتفق أنت أيضا مع هذه النظرة، فكل ما تعرفه وما تتعامل معه في الطبيعة يتناسب مع هذا المنطق تماما.

وتبعا للفيزياء الكلاسيكية فإن السرعات تجمع وتطرح من بعضها، فلو أنك في طرف مقصورة مترو دبي وكان المترو متوجها إلى الشرق بسرعة 100 كم/ساعة، ثم أطلقت طلقة من مسدس في نفس اتجاه سير القطار وكانت سرعة الطلقة  50 كم/ساعة، بالنسبة لك هذه الطلقة سرعتها 50 كم/ساعة، ولكن لأي شخص خارج المترو ستكون سرعة الطلقة بالنسبة له هي 150 كم/ساعة، أي أن السرعة النهاية للطلقة هي م
حصلة جمع السرعتان مع بعضهما. وإذا كنت قد وصلت في دراستك إلى حتى ما قبل الجامعة ستتذكر أن هذا ينطبق تماما مع القوانين النيوتونية التي درستها في علوم الفيزياء.

معادلات ماكسويل (Maxwell’s Equations)

أربع معادلات لماكسويل هي الحجر الأساس لخصائص الموجات الكهرومغناطيسية (Electromagnetic Radiation) أو الضوء، ربما اصطلاحا نسمي الضوء بذلك النور الذي يضيئ لنا الليل، ولكن من الناحية العلمية فالضوء هو أي موجة كهرومغناطيسية سواء اكانت ترى أم لم ترى، ويشتمل الضوء على النور الأشعة التحت الحمراء وموجة الراديو التي يقوم تلفونك المتنقل بإرسالها يوميا، ربما العالم الذي نعيش فيه يتكون من بحر من الموجات الكهرومغناطيسية، والفكرة بشكل مختصر أن الموجات الضوئية تتكون من المجال المغناطيسي والمجال الكهربائي، ومن غير أن أفصل في هذا الموضوع أريد أن أصل إلى النقطة الأساسية في هذه القوانين، وهي أنه من هذه القوانين اكتشف العلماء أن الضوء سرعته ثابتة، وهي 300,000,000 متر/ثانية في الفراغ (في الحقيقة سرعة الضوء في الفراغ هي 299,792,458 متر/ثانية)، أي أن هذه القوانين تأتي بنتيجة واحدة ورقما واحدا، وهو 300000 كم/ثانية من غير أن تقول بالنسبة لماذاـ وبعبارة أخرى هو ثابت كوني. وهذه نقطة خطيرة جدا جدا، وقد استغلها آنشتين أشد الاستغلال.

الأثير (luminiferous aether) وتجربة مايكلسون – مورلي (The Michelson-Morley Experiment)

إذا كان الضوء موجات فلابد له من وسط يتحرك فيه، ذكرت في البودكاست السابق أن الصوت بلا وسط لا ينتقل، والوسط يوفر الإمكانية لتصادم الجزيئات بحيث يتم نقل الصوت من مكان لآخر، وكذلك الضوء يحتاج إلى وسط يتحرك فيه، وهذا الوسط اسمه الأثير، وكان هذا الأثير هو المرجع الذي بالإمكان مقارنة سرعة الضوء به، ولكن كانت هناك الكثير من النقاشات في هذا الموضوع والتي لم تستقر، حيث كانت لهذا الأثير صفات سحرية وغير واقعية،  وذكر ماكسويل في سنة 1870 أنه إمكانية كشف الحركة بالنسبة للأثير ستكون سهلة بما فيه الكفاية، وأن سرعة الضوء باتجاه حركة الأرض ستكون مختلفة لسرعته في الاتجاه المعاكس، وهذا ما فعله مايكلسون ومورلي في الكشف عن سرعة الضوء بتجربة أثبتت أن الضوء يسير بسرعة ثابتة، حيث كانت التجارب التي قبلهم غير دقيقة.

النظرية النسبية الخاصة

في سنة 1905 نشر آينشتين ورقة علمية قلبت العالم المعروف رأسا على عقب، حيث كان قبلها ولمدة 10 سنوات قد أجهد نفسه بالبحث في العلاقة بين المكانيكية (أو الفيزياء) النيوتونية ومعادلات ماكسويل، كان هذين العالمين لا يتفقان، إحداهما خطأ، وقال يوما ما عن هذا الاختلاف أنه “جرثومة النظرية النسبية الخاصة أبدت نفسها بالتناقض”. المشكلة كانت في أنه حسب نيوتون فإن الفضاء والوقت كل منهما ثابت على حده، ولكن هذه الفكرة تتناقض مع ثبوت سرعة الضوء، ولكن بعد الجهد الجهيد استطاع آينشتين التغلب على المشكلة.

حينما عاد آينشتين في طريقه إلى المنزل يوما ما بالترام (ربما التسمية هي الترماي) ، نظر إلى الساعة المعلقة على البرج، فتساءل، ماذا يحدث لو أن الترماي يتحرك بسرعة الضوء؟ عندها خطر على باله أن الضوء المنطلق من الساعة المعلقة لن يصل إليه، وأنه في هذه الحالة ستبدو وكأن الساعة متوقفة لا تتقدم نهائيا، مع ذلك لو نظر إلى ساعته سيجد أنها تتقدم بشكل طبيعي، عندها وجد الحل، وقال أن وقتها، “عاصفة انطلقت في ذهني”، ومنها أن الوقت يتقدم بشكل مختلف في كل مكان في الكون وعلى حسب السرعة. وهذا يعني أن الحوادث التي تحدث في نفس الوقت بالنسبة لشخص، تحدث في أوقات مختلفة لشخص آخر.

سأضرب مثلا لتوضيح الفكرة، لنعود مرة أخرى للفيزياء الكلاسيكية أولا، تخيل أن ثريا تجلس في طرف مقصورة في المترو في دبي، وانطلق المترو من جبل علي إلى محطة الجامعة الأمريكية، وكان طالب يراقبها في الخارج، وأثناء مرور المترو بالموقع الذي يقف فيه طالب أطلقت ثريا طلقة من المسدس الذي تحمله بيدها باتجاه حركة القطار لتصيب به ساعة معلقة على الحائط، لتصيبه، ففي الوقت الذي ترى فيها ثريا اصطدام الطلقة بالسا
عة ليوقفها عند الساعة 12:00:1 هو نفسه الوقت الذي يرى فيه طالب تلك الحادثة، هذا بالضبط ما نتعامل معه في حياتنا اليومية، ولو كانت سرعة المترو 100 كم/ساعة وسرعة الطلقة 50 كم/ساعة ، لكانت سرعة الطلقة بالنسبة لثريا 50 كم/ساعة، ولكن بالنسبة لطالب فهي حاصل جمع السرعتين، سرعة الطلقة وسرعة القطار.

الآن لنأتي لنظرية آينشتين، ولننطلق بسرعة أكبر في المترو، وسأفسر سبب الانطلاق بسرعة أكبر لاحقا، لنفترض أن ثريا في المقصورة وكانت سرعة المترو مقاربة لسرعة الضوء، لنفترض أنه سرعته تعادل 95% من سرعة الضوء أي 285000 كم/ثانية، ولنفترض أن ثريا بيدها مسدس من الليزر، فأطلقته باتجاه الساعة، انتبه معي الآن لأن ما سيلي سيكون مذهل، نحن نعرف أن سرعة الضوء ثابته لكل الناظرين، لا تتغير، هذا يعني أنه الليز المنطلق من مسدس ثريا ينطلق بسرعة 300000 كم/ثاينة، بالنسبة لثريا فهذه هي السرعة التي تراها، عند أقل من جزء من الثانية سيصطدم ضوء الليزر في الساعة ليوقفها عند 12:00:1 واحدة (مثلا، ولو أن ليصل الضوء إلى الساعة بهذه المدة يحتاج أن يكون على بعد 300000 كم، ولكن على سبيل الفرض)، ولكن ما سيراه طالب سيكون مخالفا تماما لهذه القصة.

بالنسبة لطالب، فهو يرى أن ضوء الليزر المنطلق من مسدس ثريا يسير بسرعة 300000 كم/ثانية، أنه هو أيضا لا يجمع سرعة القطار مع سرعة ضوء الليزر كما كان في قوانين نيوتن، بالنسبة له سرعة الضوء ثابته، ولا يهم مم انطلقت أشعة الليزر وبأي سرعة ابتدائية، في هذه الحالة بالنسبة لطالب القطار والضوء يتنافسان ويتسابقان للوصول للساعة، عندها سيتعطل وصول الضوء إلى الساعة بقليل، فبدلا من أن يصل إلى الساعة خلال ثانية واحدة سيستغرق 3 ثوان، ولكن ذلك تبعا لساعة طالب، أي أن الساعة ستتوقف عن العمل بعد أن تصطدم بها أشعة الليزر في تمام الساعة 12:00:03 على ساعة طالب، وسيلاحظ طالب أيضا أن كل شيء على المترو يسير ببطئ فصحيح أن الساعة توقفت عن العمل عند 12:00:01 بالنسبة لثرايا ولكن ستكون هذه الثانية بالنسبة لطالب مدتها 3 ثوان، أي بالنسبة لثريا الساعة تعطلت بعد ثانية واحدة، وبالنسبة لطالب تعطلت الساعة بعد 3 ثوان بعد الساعة الثانية عشرة، وهذه العملية تسمى بالتايم داياليشن (Time Dilation) أو اتساع الوقت.

إذا لم تصب بالذهول بعد، فلربما لم تستوعب الفكرة. هل يعقل أن تختلف الأوقات لحدث واحد بسبب السرعة؟ هل من المعقول أن يختلف الزمن بالنسبة لثريا وطالب؟ هل من المعقول أنه إذا سافرت ثريا لمدة 7 سنوات وعادت لطالب سيكون طالب قد كبر بـ 13 عشر سنة؟ بالتأكيد، هذا ما بينته النظرية النسبية، وهذا ما بينته التجربة تلو الأخرى. طيب السؤال هو لماذا لا نحس بهذه الفروقات في حياتنا اليومية؟ الجواب لأنه في حياتنا اليومية السرعات التي نتعامل بها لا تقارن بسرعة الضوء، فلربما أسرع ما تمكن منه الإنسان هو الانطلاق في الصاروخ في الرحلة إلى القمر، وهذه السرعة هي 11.176 كم/ثانية، أي 0.004% من سرعة الضوء، فلا يمكن الإحسان بتأثير اختلاف الوقت إلا بقياسه بأدق الساعات.

التجارب الدالة على صحة نظرية آينشتين

إذا كانت هناك نظرية قد تم إثباتها مرة تلو الأخرى فهي هذه النظرية، التجارب تعددت وكلها اتفقت على أن النظرية النسبية لا مفر منها، فمنها ما قام به العلماء بالطيران بالطائرة، فحملوا معهم ساعة ذرية، وبعد رحلة طويلة وبعد المقارنة بين الساعة التي على الأرض والساعة التي كانت على الأرض اختلف التوقيتان بالمقدار الذي تتنبأ به نظرية آينشتين، وهناك أيضا التجارب على الجسيم المسمى بالميوان (Muon)، فهذا الجسيم في حالة الاستقرار في المختبر يتلاشا إلى إشعاعات بعد 22 ميكروثانية، ولكن عند نزوله من الفضاء (حيث يتساقط من السماء) فعمره يتضاعف إلى 5 أضعاف عمره في المختبر. وغير ذلك ما تدل عليه التجارب في المصادمات بشكل يومي، ولمعلوماتك فإن عملية تزامن التوقيت للجي بي إس (GPS) أو أدوات الملاحة تعتمد على نظرية آينشتين، فلولا هذه المعرفة، لاختلفت التواقيت ولم تكن الدلالة على المواقع صحيحة.

الفضاء وقت

ولم تتوقف النظرية عند هذا الحد لتعدل على النسبية في الوقت، بل حتى المسافة أصبحت نسبية، فالمسافة ايضا تقصر مع الزيادة في السرعة، وايضا مع زيادة السرعة تزدا
د كتلة الجسم، من خلال هذا كله، نعرف أن الفضاء غير ثابت، والوقت أيضا غير ثابت، فما هو الثابت في نظر آينشتين؟ الثابت هنا هو الفضاء – وقت، تلاحظ أنه كلما أسرع الجسم في الحركة كلما تباطأ الوقت، وكلما أبطأ الجسم في الحركة تسارع الوقت، وفي الفيزياء النسبية محصلة الفضاء ووالوقت هو الثابت، وبهذه الطريقة جمع آينشتين الفضاء والوقت في إطار واحد.

المستجدات العلمية والتكنولوجية

+ تم اكتشاف حلقة أو خاتم جديد لكوكب زحل، حيث لا يمكن مشاهدة هذه الحلقة بالعين المجردة، بل اكتشفه علماء في ناسا ومن جامعة فيرجينيا (University of Vriginia) باستخدام الأشعة التحت الحمراء في تلسكوب السبتسر (Spitzer Telescope)، ومن  كبر حجمه يقول العلماء أن تحتاج لمليار كرة أرضية لملأ الحجم الذي يغطيه هذه الحلقة.

+ فشلت ناسا من إثارة غبار القمر من جراء الضربة العنيفة التي تلقاها السطح من المركبة إلكروس، فلم يثار الغبار لا في الضربة الأولى ولا في الثانية، فلم يستطع العلماء من جمع معلومات كافية. للأسف!

+ صنعت شركة جيروبايك (Gyrobike) عجلة أمامية دراجة هوائية تحافظ على اتزان الدراجة، وتعمل كبديل للعجلتين الخلفيتين اللتين توجدان في دراجات الأطفال، وهذه الفكرة تعمتد على الجيروسكوب.

+ حصل مجموعة من العلماء على جوائز النوبل، فمنهم تشارلز كيو (Charles K. Kao) لنقل الضوء في الألياف الضوئية، وحصل عليها العالمان ويلارد بويل (Willard S. Boyle) وجورج سميث (George Smith) لاختراعهم المستشعر السي سي دي، وحصل عليها غيرهم في الطب والأدب والسلام، ألف مبروك!