2 الكيوريوسيتي والبحث عن الحياة
قصة
“أحمد… أجب على السؤال” أتت خافتة، “أحمد السؤال، هل سمعت السؤال؟” تعالى الصوت، “أحمد النبوشي…” بأعلى صوته نادى المدرس أحمد. فانتبه من غفلته، حيث كان ينظر خارج شباك المدرسة، ويرى حمرة عواصف الغبار، وهو يفكر في المركبة التي بعثت للكوكب الجار.
“عفوا… أع… أعتذر… لم أنتبه للسؤال.” تردد أحمد
“من هما أبوا البشر؟” سأله الأستاذ للمرة الخامسة.
“أنهما فيصل ورباب” أجاب أحمد.
“شكرا، إجابة صحيحة، أرجو الانتب…” لم يكمل الأستاذ توبيخه، وقاطعه أحمد.
رفع يده وهو يتنظر الإشارة، فأعطاه المدرس الإشارة، “أستاذ، ولكن والدي يعمل بالآركيولوجيا، وهو يقول بغير هذا الكلام، إنه يقول…”
فقاطعه المدرس بسرعة خوفا من أن يلوث أفكار باقي الطلاب، “نحن هنا في محاضرة تاريخ، وليست محاضرة آركيولوجيا، التاريخ يقول أن أبونا هو فيصل وأمنا هي رباب، وكان هذا قبل 22,000 عام، أما الآركيولوجيا فهو علم يبحث في الآثار فقط، ليست لديه الدقة التاريخية، المؤرخون الأوائل دونوا التاريخ بدقة، وحافظوا عليه بدمائهم.”
فلم يتحمل احمد الانتقاد اللاذع الذي أصابه، وقاطع المدرس مرة أخرى: “ولكن الحفريات التي كشفها فريق ابي تدل على الموقع الذي ظهر فيه فيصل ورباب كان فيه آثار لأجهزة غريبة، أبي كشف عن…”
“صه…” قالها بأعلى صوته معلنا عن مكانة المدرس العالية في مقابل الطالب الوضيع.
رجع أحمد إلى البيت وهو منزعج، وإذا بإمه تشاهد التلفزيون، “أبوك في مقابلة هامة على التلفزيون”
انقسمت شاشة التلفزيون إلى نصفين، النصف الأول كانت الأضواء مسلطة على العالم الآركيولوجي حسن النبوشي، والنصف الثاني على المركبة التي اخترقت الأجواء الدخانية للكوكب الثالث من الشمس.
المذيعة: “د. حسن، تقول أن رواد الفضاء سيصدمون بما سيكتشفونه على الكوكب، ما الذي يجعلك تعتقد ذلك؟”
د. حسن: “القصة تبدأ بالاكتشافات الآركيولوجية لأبوينا فيصل ورباب، هناك لغط كبير بين العلماء، ونقاش حاد بينهم على هوية وأصول فيصل ورباب، من العلماء من يعتقد أنهما خلقا على كوكبنا الجميل المريخ، ومنهم… وأنا منهم، من يعتقد أن أصولهم ليست من المريخ، بل من كوكب آخر، وإذا كانا من كوكب آخر، فلا يمكن أن يكونا قد أتيا من كوكب بعيد، لابد أصولهم ترجع لكوكب في مجموعتنا الشمسية، عدا ذلك فهو بعيد جدا، فأقرب نجم إلينا بعد الشمس والذي يعتقد أن حوله كوكب مأهول هو النجم راميوراز الأول، ويبعد عنا 1000 سنة ضوئية، فلو أن مسافرا أتى من هذا البعد فهو يحتاج لأن ينطلق بمركبة بسرعة الضوء، وسيقضي 1000 عام إلى أن يصل، ويستحيل أن فيصل ورباب عاشا ألف عام في الفضاء”
المذيعة وتستمع إلى إشارات رواد الفضاء: “أعزائنا المشاهدين، نحن في انتظار إلى أن تصل إشارة صوتية من رواد الفضاء، سيحدثوننا بما يرون بداخل الكوكب، أما الآن نعود مع د. حسن النبوشي، لنتحدث عما يتوقع أن نجد على الكوكب الثالث، د. حسن، ولكن ماذا عن الأدلة التاريخية؟ كلها تدل على أن فيصل ورباب ظهرا فجأة في القطب الشمالي، دعك عن القصص الشعبية في وصفهما، ولكن التاريخ الدقيق ولا أحد ينكر على المؤرخون الأوائل أبحاثهم التي لا يشوبها الخطأ.”
حسن: “أبدأ… أبدا…” وقد رشح جبينه قليلا، “كل ما هنالك أن العلم بيّن أن الدلائل تشير على أن عظامهما كانت أكثر كثافة من عظام البشر بأكثر من مرتين، وذلك قد يعني أن عضلاتهما كانتا أكثر كثافة أيضا، وقد يعني أنهما كانا قادران على القفز بأعلى من الإنسان المتوسط بأكثر من مرتين…”
أدرات المذيعة وجهها فجأة ووضعت يدها على السماعة، فتوقف د. حسن النبوشي لأهمية سكتة المذيعة: “لحظة من فضلك، يبدو أننا على الهواء مباشرة مع رواد الفضاء، بعد أخترقوا السحب المشعة التي تحيط بالكوكب الثالث، أعزائنا المشاهدين، كما تعلمون أن ما ستسمعونه الآن إنما تم بثه قبل 14 دقيقة، لنستمع الآن لرواد الفضاء…”
رائد الفضاء: “نحن الآن في الأجواء المظلمة للكوكب الثالث من الشمس الكوكب الذي سماه المؤرخون بالراضي، اجتزنا السحابة الدخانية التي تحيط به، يبدو أن معظم الكوكب مكون من الماء، وها نحن قد اقتربنا من اليابسة، والأضواء المسلطة… يا إلهي، ما هذا… كدنا أن نصطدم… لا أصدق ما أرى… كدنا أن نصطدم بمبنى شاهق، سنسلط الأضواء إلى الأسفل الآن… هذا ما توقعه العلماء على طول الخط… لم يكونوا مخطئين، فلتستعد كتب التاريخ وليستعد المؤرخون…”
أولا أود أن أعتذر عن ضعفي في اللغة العربية، فهناك أخطاء ربما جعلتك تصك أضراسك، تصحيح اللغة يحتاج لمتخصص في اللغة العربية، وأنا غير متخصص، حاليا إذا كانت أذنك تكتشف هذه الأخطاء، أرجو أن تتحمل الأخطاء في مقابل المعلومات، إلى أن أصبح أكثر تمكن من اللغة، وخصوصا أنني بين الحين والآخر أسأل المتخصصين لتصحيح بعض أخطائي.
قبل أن كما ذكرت فهناك عشرة مختبرات على الروفر الكيوريوسيتي، ولكن لن أخوض في جميعها، لأنها ستكون عملية مملة، ولكن سأتحدث عن ثلاثة مختبرات منها، وإن كانت كلها ذات أهمية كبرى في فهم المريخ. وبدلا من ذلك سأستعرض بعض الأخبار عن المكتشفات الكونية الأخرى مثل الكواكب الإكس أو، أو الكواكب خارج المجموع الشمسية.
مقدمة
حينما هبطت مركبتي الفايكنج 1 و2 على المريخ سنة 1976 تكونت زوبعة من الاهتمام من عامة الناس في ما يخبئه المريخ من حياة، والمراسلين الصحفيين تناولوا الموضوع بكثافة واهتمام كبير، ولكن سرعان ما اختفى هذا الاهتمام حينما اكتشف الناس أن البحث عن الحياة في الكون ليست بهذه المباشَرة والوضوح، لم تُرجع مركبتي الفايكنج سوى صورا جامدة لصحاري حمراء، لم يقفز في تلك الصور فضائي غريب الأطوار ليفاجئ الناس بوجوده، فانسحب اهتمام الناس بالمهمة الرائعة، وتوقفت قنوات التلفزيون من التحدث في الموضوع. حتى أن كارل سيجان يذكر في كتابه كوزموس (Cosmos)، أن الناس كانت منزعجة حتى من اختلاف لون الأجواء في المريخ، حيث كان التوقع أن تكون سماء المريخ لونها أزرق كما هو الحال في الأرض، ولكن الصور أبدت اللون الأصفر الوردي، فاستاء الناس لذلك، لأن الأجواء لم تكن شبيهة بالأرض، وربما بما أن المريخ لا يشابه الأرض في أجوائه، فلربما لن تتكون هناك حياة في ذلك الكوكب.
العلماء ينظرون للأمور بطريقة مختلفة عن بقية الناس، فكل تفصيل من تفاصيل الحياة يتذوقه العلماء بأجزائه الدقيقة، فحينما ينظر العلماء إلى المريخ فسيبدو أن كله جميل ورائع ومبهر، وسيبدو أن كل جزء منه يستحق البحث، فرماله وصخوره وسهوله وجباله وأجوائه كلها ليست نهاية بحث بل هي بداية له.
المختبرات العشر
هناك عشر مختبرات على متن المركبة كيوريوسيتي، وكل واحد منها له مهمة محددة، فمنها ما يبدأ بالتصوير أثناء نزول المركبة، وبعد نزولها، ومنها ما يقيس محتويات التربة، ومنها ما يقيس الأجواء، ومنها ما يبحث عن المواد العضوية، وهكذا، المعدات دقيقة جدا، وبعضها يسع لمختبر كامل على الأرض وضعت في حيز صغير من الفراغ بداخل الكيوريوسيتي، لنبدأ بوصف الروفر الكيوريوسيتي أولا حتى تكون الصورة واضحة، أولا، المركبة لها ستة عجلات، ربما تتخيل الروفر مثل السيارة بعجلات ستة، ولكنها ليست كذلك، فالعجلات متعلقة على قوائم، والقوائم مركّبة على جوانب جسم الروفر، الشكل مختلف عن السيارات التقليدية، هذه القوائم صنعت بطريقة بحيث يمكن للروفر أن يتحرك على السطح بانسيابية، وحتى يتمكن من الصعود على الصخور بانسيابية.
بعد ذلك يأتي الجسم المسطح، وهو يحتوي على الأجهزة والمختبرات المختلفة، وإذا نظرت للروفر من الأمام سترى أن على الزاوية اليسرى منه وعلى سطح الجسم عمود، وعلى العمود رأس مكعب، وفيه كاميرات وليزر، ومستشعرات، من شاهد فيلم والي (WALL-E) ويتذكر شكل الروبوت، يستطيع أن يربط الصورة الذهنية لذلك الروبوت مع الروفر، إذا كنت تذكر رأس الروبوت والي، ستلاحظ الشبه بينهما، مع اختلافات عملية بين الاثنين، وعلى الجانب الأيمن من الروفر تمتد ذراع أخرى وفي طرفها 5 معدات، تمتد هذه اليد من جسم الروفور كما تمتد يدك من جسدك، وللذراع هذه مفصل يماثل كوع اليد ولكنه مقلوب، واليد تحتوي على عدة معدات يمكن تقليبها لاستخدام واحدة منها، يذكرني ذلك بالأذرع المسلحة للروبوتات والفضائيين في الأفلام الخيالية، حيث يستطيع الروبوت أن يلف يده المسلحة بسرعة وبانسيابية ليخرج سلاحا فتاكا، ثم يقلّبها بسرعة دورانية ليستخرج سلاحا آخر، استبدل تلك الصورة بأسلحة عملية لاختبار المريخ.
بعد نزول الكيوريوسيتي على سطح المريخ بدأ العلماء بالخطوة الأولى وقبل الانطلاق باختبار المريخ، وهي اختبار سلامة الأجهزة المتواجدة على سطح الروفر، حتى يطمئنوا على سلامتها، وبعد التجارب اكتشفت ناسا أن أحد أجهزة اختبار الأجواء تعطل، لأنه لم يرسل أي معلومات إلى الأرض حينما أصدرت له الأوامر، ويُعتقد أن الصخور المتطايرة بسبب قوة دفع النفاث الذي انزل الروفر عطلت الجهاز، ولكن ناسا لديها جهازين لقياس الأجواء، فصحيح أن ناسا لن تستطيع أن تعرف سرعة واتجاه الهواء مباشرة، ولكنها ستبتدع طرق أخرى للقياس غير مباشرة.
بعد ذلك ذبذب العلماء في ناسا عجلات الروفر، ليعلموا ما إذا كانت العجلات سليمة، ثم حركوه ثلاثة أمتار إلى الأمام، وأداروا المركبة 90 درجة، كل هذه التحركات كانت لضمان سلامة العجلات والتأكد من قدرة الروبوت على التحرك، كل هذه الحركات دامت 90 دقيقة، المدة طويلة في مقابل حركات بسيطة، “نريد أن نكون حذرين بشكل زائد” قال الدكتور مايكل واتكينز (Michael Watkins) مدير مركز الملاحة وتصميم المهام في ناسا. بعد ذلك كانت ناسا تخطط للتوجه لمنطقة اسمها جلين إيلج (Gelnelg) (لاحظ أن الاسم يستخدم ما يسمى بالباليندروم أو السياق المتناظر أو القلب المستوي، وهو إمكانية قلب حروف الكلمة للحصول على نفس الكلمة)، وتبعد جلين إيلج عن محط الكيوريوسيتي حوالي 500 مترا، وسيقطع الروفر 10-30 مترا يوميا للوصول إلى المكان المناسب في تلك المنطقة، وفي ذلك المكان تتقاطع ثلاث أنواع من التضاريس الطبيعية، التي يمكن دراستها.
المختبر سام (SAM)
المختبر سام (SAM) وهو اختصار لكلمة (Sample Analysis at Mars) أو تحليل العينة في المريخ، الهدف من هذا المختبر الذي يستخدم ثلاثة أجهزة هو دراسة الكيمياء المختصة في الحياة، فتدرس هذه الآلات وجود نسب من الكربون والأكسجين، والهيدروجين والنيتروجين، وكذلك يبحث عن غاز الميثين، مع اختبار الأوزان الذرية للمواد لمعرفة التغيرات التي طرأت على الكوكب، فمن غير وجود تراكيب عضوية من هذه المواد لا يمكن أن تكون هناك حياة، ولكن لا يعني ذلك أنها إن وجدت أن الحياة ستكون موجودة على المريخ، سيقوم الذراع بأخذ عينات من التراب ثم توضع في المختبر، وبعدها يتم تسخينها بحرارة قدرها 1800 درجة فهرنهايتية أو ما يعادل 980 درجة سيليزية، بحيث تتبخر منها المواد المختلفة، وسيقيس المختبر هذه المواد من الأبخرة، حجم هذا المختبر هو بقدر حجم فرن الميكرويف، ويزن 40 كيلوجراما.
كنت أشاهد لقطة على اليوتيوب تبين كيف يعمل العلماء لتركيب هذا المختبر، اللقطة موجودة في الأسفل، ستلاحظ المهندسين وهم يركبون القطع المختلفة بحذر شديد، ثلاثة أشخاص بملابس زرقاء فاتحة اللون، يلبسون القفازات، وثلاثتهم يمسكون بقطعة من المختبر الذهبية اللون، وينزلونها بحذر وبخفة، بالتأكيد يدل ذلك على حساسية الأجهزة، انتابني إحساس وكأنما أرى تركيب الحجر الأسود على الكعبة وكأنما أراد كل فرد حصته من الشرف لتركيب الجهاز، مع فارق التشبيه.
حسب تلك اللقطة، فإن العلماء متحمسون للكشف عن هذه المركبات فلعلها إن وجدت، فذلك يعني أن الكوكب الأحمر قد يرضى بوجود الحياة على سطحه، وإن وجدت هذه المركبات سيكون البحث عن الحياة أكثر تشويقا.
المختبر كيمين (Chemin)
المختبر كيمين (Chemistry and Mineralogy Instrument) هو آلة علم المعادن والكيمياء. في شهر 10/2012 قام الروفر الكيوريوسيتي بغرف قبضة من التراب باستخدام الذراع، وحتى يفرق بين حبيبات التراب الكبيرة والصغيرة قام بهز الملعقة التي حملت التراب بذبذبات سريعة، بعد ذلك ألقى ببعض الحبيبات الصغيرة بداخل المختبر كيمين، وأطلق المختبر أشعة أكس (الذي هو بعرض شعرة) على هذه الحبيبات، حينما تمر هذه الأشعة خلال التربة وتخرج من الطرف الآخر فإنها تنحني أو تنحرف بزوايا مختلفة، وهذه الزوايا تعتمد على التركيبة الكريستالية الموجودة فيها، بعد معرفة التركيبة يمكن للعلماء معرفة إمكانية احتفاظ هذه التربة بالماء، فلو اكتشفوا مواد معدنية طينية، فسيعلمون أن التربة بإمكانها الاحتفاظ بالماء. بالإضافة لمعرفة إمكانية الاحتفاظ بالماء فإن هذا المختبر سيمكن العلماء من تحديد الظروف البيئية التاريخية للتربة والصخور، مما يعطي فكرة عن إمكانية نشوء حياة في الماضي، وكذلك عن موارد الطاقة التي تحتاجها الحياة للعيش.
ما وجده العلماء حاليا أن بعض هذه التراكيب تشابه تلك التي تخرج من البراكين الموجودة في جزر هاواي، ووجدوا كذلك مواد لا بلورية مثل الزجاج البركاني.
تستطيع هذه الآلة أن تتفحص 74 عينة، وتحتاج لـ 10 ساعات للتحليل، وتقام هذه التجارب ليلا، والسبب يعود لحاجة الكاميرا التي تلتقط الأشعة أن تبرد حتى تكون النتائج أدق.
كيم كام (Chemcam)
هذا المختبر موجود في رأس الكيوريوسيتي، حينما تنظر للرأس من الأمام ستجد أن هناك عدسة على الجانب الأيسر من الرأس، في هذه المنطقة يوجد ليزر يصل مداه العملي إلى 23 قدما أو 7 أمتار (طبعا الليزر يصل إلى أبعد من ذلك، ولكن لأخذ العينات المخبرية لابد أن لا تبعد العينة أكثر من 7 أمتار)، يسلط الليزر على الصخور فتحرق منها بقدر رأس الإبرة، وهذه الكمية الصغيرة المتوهجة التي تسمى بالبلازما سيتم التقاطها بمنظار طيفي، وبهذا المنظار الطيفي يتم تحليل الأضواء المنبعثة من التوهج، ومنها تعرف المواد الكيميائية المكونة لهذه الصخور، وهذا الجهاز يمكن استخدامه قبل استخدام المختبرين سام وكيمين، به يمكن معرفة مكونات الصخرة قبل إقامة التجارب المطولة، ويمكن للمختبر تحليل عدة مواد مختلفة باستخدام هذا المختبر.
كمية الطاقة التي يطلقها هذا الليزر هي مليون واط (ما يعادل 10,000 لمبة بقدرة 100 واط)، يطلق الليزر لفترة زمنية تعادل 1 من مليار جزء من الثانية، ولو أن الصخور كانت مغطاة بطبقة من التراب، يقوم الليزر بضرب الصخرة عدة مرات إلى أن يزيح التراب عنها وبعد ذلك تتم دراستها من الداخل.
بعد نزول المركبة وانطلاقها أقام العلماء التجربة الأولى باستخدام الكيم كام، وأطلقوا الليزر 500 مرة على صخرة.
الطاقة التي تغذي الكيوريوستي
كل هذه المختبرات التي ذكرتها، كيف يتم تشغيلها؟ بل كيف يتم تحريك هذا الطن من المختبرات على سطح المريخ؟ وكذلك ماذا عن الاتصالات؟ لا يوجد على متن الروبوت لوحات لانتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية كما في بعض المركبات السابقة، الطريقة المستخدمة في الكيوريوسيتي هي الطاقة النووية، قد تفكر بالطاقة النووية التي تأتي من المفاعلات النووية، الموضوع ليس بهذه الطريقة، فالمفعلات تنتج طاقة كبيرة، ولكن صناعتها في حيز صغير هو شيء غير متاح حاليا، لذلك يقوم العلماء بإنتاج الطاقة عن طريق الحرارة البسيطة التي تنتجها النظائر المشعة. تسمي هذه الطريقة بمولد النظائر المشعة الكهروحرارية (Radioisotope Thermoelectric Generator).
[youtube=http://youtu.be/fBtXnug-rgM]
أكثر المواد المشعة المستخدمة لمثل هذا الغرض هي مادة البلوتونيوم 238 (Pu 238)، وتُنتج المركبة 110 واط تقريبا باستخدام مادة البلوتونيوم، هذه تعادل لمبة واحدة من سعة 100 واط تقريبا. لإنتاج مثل هذه الطاقة تحتاج لما يسمى بالمزدوجة الحرارية (Thermocouple)، المزدوجة الحرارية في أبسط أشكالها تعتمد على توليد الطاقة بتعريض سلكين مكونين من مادتين مختلفين للحرارة، بعد أن يربط السلكين ببعضهما البعض تسلط حرارة مرتفعة على الطرفين المتلاصقين وحرارة منخفضة في أماكن أخرى في الدائرة الكهربائية، فتنتج طاقة صغيرة، وهذه بدورها تخزن على البطاريات ثم يتم استخدامها في أمور تتطلب طاقة كبيرة، بحيث يمكن أن تقوم هذه الطاقة بتسخين فرن إلى 1800 درجة فهرنهايتية، أو بإمكانهم تشغيل الليزر بقوة مليون واط، ولكن لفترات قصيرة جدا كما ذكرت في السابق.
يبدو أن أول من اقترح استخدام الحرارية المزدوجة هو الكاتب القصصي آرثر سي كلارك، ذكرها بسرعة عاجلة في رسالة إلى مجلة وايرلس وورلد (Wireless World) حيث تحدث عن الستلايتات المتزامنة جغرافيا مع الأرض، تلك التي تستخدم اليوم لأجهزة الملاحة، فاقترح من ضمن رسالته استخدام المزدوجة الحرارية لأن مثل تلك الستلايتات المتزامنة ستبقى في مدار الكرة الأرضية مدة طويلة، استخدام المزدوجة الحرارية مع النظائر المشعة يغذي الأجهزة بطاقة تبقى لسنوات عديدة، فخذ على سبيل المثال هذا المولد اُستخدم على المركبة فويجر 1، والتي أرسلت قبل 36 سنة أي في سنة 1977، ولا تزال هذه المركبة تعمل على هذه الطاقة، ولا تزال ترسل معلومات إلى ناسا حتى بعد أن خرجت من المجموعة الشمسية، واستخدم هذا المولد في عدة مركبات وأقمار صناعية وغيرها من الأجهزة ابتداء من سنة 1969 في رحلة الأبولو 12 إلى يومنا هذا مع الكيوريوسيتي.
بالرغم من أن النظائر المشعة يمكن استخدامها لتوليد طاقة لفترات زمنية طويلة إلا أن الكفاءة تنحدر مع الوقت، فلكل مادة مشعة عمر النصف، وهي المدة الزمنية التي تنخفض فيه الإشاعات إلى النصف، فمادة البلوتونيوم 238 نصف عمرها 87.7 سنة، أي أنها لو بدأت بإطلاق إشاعاتها بقدر 100%، ستنخفض إلى 50% بعد 87.7 سنة، ذلك يعني أن الحرارة ستنخفض وبالتالي ستنخفض الطاقة التي يتم توليدها، لذلك فالمركبة فيوجر اليوم لا تعمل بنفس مستوى الكفاءة التي كانت تعمل عليها قبل 36 سنة.
عجلات الكيوريوستي
حينما كنت في بريطانيا بحثت عن نموذج للمركبة كيوريوسيتي، تجولت في عدة محلات منها محلات النماذج، ووجدت نماذج للأبولوا والمكوك الفضائي، ولكن باءت كل تجولاتي بالفشل، ولم أجد المركبة المطلوبة، وحينما رجعت إلى الكويت قررت أن أحاول رسم المركبة، لست رساما لا ماهرا، ولكني كنت سأحاول، بحثت على الإنترنت لصور عن المركبة، فوجدت، عدة صور، وبدأت بالرسم، ولكن رسمي كان بدائيا، فقررت أن أركز على قطعة واحدة كبداية لرسم المركبة، وكانت البداية هي العجلة، وإذا بي ألاحظ شيء غريب فيها، ففي هذه العجلات فتحات لا تنسجم ما باقي التصميم.
المحيط الدائري الذي يلامس الأرض حينما تسير المركبة تحتوي على خطوط متموجة، هذه الخطوط تتشابه مع تلك التي موجودة على عجلات السيارات، ولكن تأتي الخطوط على عجلة السيارات بالطول، وهي على استدارة مع محيط العجلة من البداية إلى النهاية، أما الخطوط على عجلات الكيوريوسيتي فهي متموجة بالعرض، إلى هذا الحد، وكل شيء في محله، ولا توجد أي غرابة، ولكن ما هذه الفتحات الغريبة على العجلة؟ إنها مجموعة من المربعات والمستطيلات ثقبت فيها.
بعد البحث اتضح لي أن هذه العجلات ثقبت لتشكل شفرات مورس، والمعروف أن شفرات مورس عبارة عن نقاط وخطوط، وكل مجموعة من النقاط والخطوط تعبر عن حرف، وهذه الثقوب المربعة والمستطيلة تشكل حروف JPL، أي أنها تمثل (Jet Propulsion Labrotory)، وهو القسم التابع لناسا الذي صمم وصنع وأرسل المركبة إلى المريخ، الآن تخيل العجلات وهي تتحرك على الأرض، كلما تحركت المركبة كيوريوسيتي على سطح المريخ طبعت بكل استدارة الحروف JPL.
- عجلة الكيوريوستي، وفيها ثقبت الحروف JPL، حينما تسير على المريخ تطبع هذه الحروف على الأرض
ربما تتصور أن مثل هذه الخطوط كانت لمجرد التفاخر بترك طبعة اسم المؤسسة على سطح المريخ، كلا، ربما كان ذلك الافتخار جزءا من الخطة، فيكفيهم فخرا إرسال مركبة بهذا التعقيد إلى المريخ، ولكن هناك ما هو أهم من ذلك، لنتساءل، إذا تحركت المركبة كيف سنعرف القدر الذي تحركته؟ اليوم تستطيع أن تعرف موقعك من خلال الجي بي إس، ولكن المريخ لا توجد به هذه الإمكانية، فكيف يمكن للمركبة معرفة مكانها؟ ببساطة، حينما تطبع المركبة هذه المربعات على سطح المريخ، ستأتي الحروف كل دورة كاملة على السطح، ولو عرفت عدد الطبعات ستعرف كم مرة استدارت العجلة.
حينما تعطى المركبة إشارة للتحرك لمسافة معينة، فإنها ستتحرك، وأثناء الحركة هذه ستسصعد بعض المرتفعات، وتركب فوق الصخور الصغيرة، وتتحرك على الرمال الناعمة، كل تلك من الممكن أن تؤثر على حركتها، فمن الممكن أن تنزلق قليلا هنا وقليلا هناك، حينها ستصور الكيوريوسيتي هذه الخطوط لمعرفة المسافة التي قٌطعت بالمقارنة مع المسافة التي قٌدرت لها أن تمشيها. بالطبع كان بالإمكان أن تثقب العجلات بأي شكل، ولكن الاقتراح بأن تكون هذه الثقوب على شكل شفرات مورس كانت هي الأكثر فينة وجاذبية.
[youtube=http://youtu.be/UhN0Sb3Kg_0]
خطوة واحدة للكشف عن الحياة
البحث على المريخ هي خطوة واحدة من عدة خطوات للكشف عن الحياة في الكون، العلماء يعملون على عدة جهات ويخططون لعدة جهات أخرى، فمثلا هناك البحث عن كواكب أخرى شبيهة بالأرض خارج المجموعة الشمسية، وقد سُخرت عدة تليسكوبات لهذه العملية، ومن أشهرها التليسكوب كيبلر، والذي كشف إلى يومنا هذا عن 854 كوكب في 673 مجاميع كوكبية أو نجمية، وهناك أيضا ما يقارب 18,000 كوكب يتم التحقق فيه حاليا، وهذه كلها اكتشفها التليسكوب كيبلر، ويتنظر التصنيف، إحدى الإحصائيات تقول أن مجرتنا مجرة درب اللبانة قد تحتوي على ما يقارب الـ 100,000,000 كوكب، ومعرفة هذه الكواكب هي خطوة أولى لمعرفة ما إذا كان بالإمكان أن تكون هذه الكواكب قابلة لأن تنشأ فيها الحياة، اليوم العلماء يعدون الكواكب التي تكون القريبة في تفاصيلها العامة للأرض، سأتي اليوم الذي سنتعرف فيه على تفاصيل أكبر مثل أجوائها، وبعدها اكتشاف الحياة عليها.
هناك أيضا البحث عن الحياة الذكية، والتي من الممكن أن ترسل إشارات راديوية في الفضاء بحثا عن حياة ذكية أخرى، فهناك برنامج الستي (SETI)، والذي يعمل من خلال أقمار صناعية موجهة للفضاء لالتقاط موجات قد تكون فيها نمط يدل على أن هناك حياة ذكية مثلنا تطلق هذه الموجات، الاستراتيجة لهذه المؤسسة هي أن توجه التليسكوب لـ 1000 نجم قريب، وللاستماع للموجات الصادرة للكواكب القريبة منها. ولو اكتشفت مثل هذه الموجات قد يعني ذلك أن هناك حضارة بمستوى الحضارة البشرية وفي نفس عمرها، لا تنسى أن عمر الكون هو 13.7 مليار سنة، وعمر مجرتنا هو 13.2 مليار سنة، أقل من عمر الكون بـ 500 مليون سنة فقط، ربما يعني أن هناك حضارات أقدم من حضارتنا بكثير.
هناك أيضا البحث في القمر يوروبا (Europa)، وهو القمر السادس من المشتري، ويعتقد أنه هذا يحتوي على محيطات من المياه في جوفه، وقد تكون هذه المحيطات دافئة بالرغم من أن درجة حرارة السطح هي -160 درجة مئوية، السطح الجليدي هذا قد يصل من 10 – 30 كليومترا في عمقه، ولكن بسبب الموجات الحرارية قد يكون هناك مياه غير متجمدة أسفل ذلك الجليد، أنت ترى مثل هذه الحالة حينما يتجمد الماء على السطح ولكن الأعماق تكون ذائبة. قد تحتوي محيطات يوروبا على حياة، وإذا كانت ستكون هناك حياة فقد تكون هذه الحياة ميكروبية تعيش في القاع كما هي وافرة في قيعان محيطات الأرض، وستكون هناك بعثات لتقصي وجود حياة هناك في المستقبل.
هناك أيضا البحث عن الحياة على الأرض، لا أقصد بالحياة التي نعرفها كلنا، بل العلماء يبحثون عن حياة لا تتكون من نفس التراكيب الكيميائية العضوية المتعارف عليها، قبل فترة كانت هناك أشارة لاكتشاف حياة بكتيرية مختلفة ولكنها ألغيت بعد أن ناقش العلماء البحث العلمي والتجربة، وتبين بطلان التجارب التي أقيمت عليها، بغض النظر عن خطأ تلك التجربة، ولكن البحث لا يزال مستمرا، ولو أن التجارب كشفت عن حياة مختلفة فذلك سيوجه العلماء للتفكير في الحياة بطرق مختلفة عما اعتادت أن تراه الآن، البحث الحالي عن الحياة منصب على الشكل المتعارف عليه على الأرض ولكن كل ذلك سيتغير مع الاكتشافات المختلفة.
من المهم أن نعي أن الفترة الزمنية التي بدأنا بها بالبحث عن الحياة هي قصيرة جدا، والبحث عن الحياة الذكية ربما أقصر، فلتو اعترفنا بأننا لسنا مركز الكون، وأن قد تكون هناك حيوات أخرى في الكواكب الأخرى، ولتو بدأنا بالبحث بأجهزة راديوية، ولتو بدأنا بإرسال مراكب فضائية إلى السماء لفهم الفضاء والكواكب، هذه المدة القصيرة من حياة البشر لا تعني شئيا بالنسبة لما فات ولا لما هو قادم من عمر الكون، فلربما يمل الناس من هذه المحاولات التي لا تأتي بنتيجة لحظية، ولكن تراكم النتائج سيحصدها أبناء المستقبل. نحن الآن نرى ومضات تدل على أن هناك حياة أخرى، تدل على إمكانية وجود حياة وإن كانت هذه الإمكانية مبينة على القليل من العلم والكثير من الإحصاء، ولكن في المستقبل ستقل هذه الإحصائيات وسترتفع مستويات المعلومات الدقيقة، ومعها ستنكشف الحياة.
salam
we miss you doctor.
الف شكر يا دكتور عالمعلومات الرائعة
شكرا يادكتور وان كانت كلمات الشكر لا توفيك حقك، هذي اول مره اعلق وان كنت قد استمعت الى عدد من البودكاستات، وانا الان في طريقي لاكمل الباقي ان شاء الله.
—————————————————–
بالمناسبة لدي تعليقين عامة ، الأول هو : بما انك تحب افلام التي تتكلم عن فلسفة السفر عبر الزمن فاني احب ان اهديك فيلم
donnie darko
وهو فيلم رائع جدا عرض في 2001 واعتقد انه لم يأخذ حقه في الشهرة ذلك الوقت مع انه يعتبر تحفة فلسفية، ربما بسبب الاحداث التي حصلت تلك السنة
الكثير يقولون انه يجب ان تشاهد الفيلم مرة اخرى لكي تفهمه، وهو ماحصل معي فعلا :)
————————————————–
التعليق الاخر هو طلب: ياليت تضع رابط “الفيد باك” حق البودكاست لتترك الحرية لمتابعينك في استخدام اي برنامج للبودكاست، فمثلا انا استمع الان لبودكاستاتك عن طريق
برنامج “podcast addict” على الاندرويد
وبرنامج “rhythmbox” على اللينكس
الرابط الي استخدمته لإضافة بودكاستاتك على البرنامجين هو : http://www.mqasem.net/podcasts/sciware.rss
وهناك رابط اخر يمكن استخدامه ايضا هو :
https://itunes.apple.com/podcast/sciware/id327437124?mt=2
—————————————————
واخيرا شكرا لكل ماتقدمه واعتذر لطول التعليق :)
في يوم رمادي ممل كباقي ايامي الكئيبة
بحثت عن تعدد الأكوان لرغبتي في التخلص من الواقع ..التحليق بخيالي لعالم ربما يكون موجوداً
واذا بي من حيث لا اعلم
اسقط على كنز لالا ليس كنزاً..
بل عالم موازي اخر جميل جداً بالوانه الرائعة.. وجدته!!ر
رحلة رائعة في مختلف بحور العلم
شكراً سيدي ولا تكفي ..ممتنه جداً جداً
متابعة لا.. مدمنة من اليوم
تحياتي
أشكرك جدا، كلمات راقية