نظرية الأوكسجين للاحتراق، والنظرية الكمومية، ونظرية التطور، والنظرية النسبية العامة، والنظرية النسبية الخاصة… إلخ، كلها نظريات. يبدو أن المؤسسة العلمية قائمة على تلك الكلمة… “نظرية”. لكن ما معنى نظرية؟ أو على الأقل ماذا تعني نظرية علمية؟
يمر العلم في عدة مراحل حتى يثبت أو ينفي فرضية لوحظت في ظاهرة ما، المنهج العلمي يتسلسل بالطريقة التالية: تحديد المشكلة، ثم تسؤال، وفرضية، ونظرية. المشكلة قد تأتي على هيئة ظاهرة طبيعية أو تكون من صنع الإنسان، فتبعث الفضول في شخص، فيتساءل بعدها عن كيفية حدوث تلك الظاهرة. فعلى سبيل المثال، يمكننا أن نشاهد ظاهرة انحناء شعاع beam تحت خضوعه لأحمال مختلفة، فنتساءل الآن: “لماذا انحنى الشعاع بهذا الشكل و تمدد أو تقلص بهذا المقدار؟”
بعد هذه المرحلة وبعد أي سؤال تأتي مرحلة مهمة وهي مرحلة وضع فرضية، الفرضية هي تفسير محدود مقترح مبني على خبرة سابقة أو خلفية علمية سابقة أو مشاهدات أولية. عند اختبار الفرضية عدة مرات وجمع الأدلة حولها وتمحيصها، ونشرها في ورقة علمية لكي يكررها علماء آخرين ويتم تأكيدها، تصبح لدينا نظرية. خلال مراحل التجربة، يمكن أن تتغير الفرضية عدة مرات لتتماشى مع الأدلة، فقد تظهر أدلة جديدة في مع تقدم التكنولوجيا المستخدمة في التجربة.
ننساءل مرة أخرى: ما هي النظرية العلمية؟ النظرية العلمية هي شرح واسع طبيعي للعديد من الظواهر. النظرية قد تكون موجزة، نظامية، متنبئة، قابلة للتطبيق، وكثيرا ما تتكامل مع فرضيات عديدة وربما تعمل على تعميمها. النظريات المقبولة في الأوساط العلمية تكون مدعومة بالأدلة، لكن حتى النظريات يمكن أن تُعدل أو يُصرف النظر عنها إذا تغير أو تبدل الدليل.
النظريات منتشرة في كل العلوم بلا استثناء: الفيزياء والكيمياء والأحياء والفلك وغيرهم. إن أتينا لموضوع انحناء الشعاع تحت أحمال مختلفة، يمكننا التنبؤ بانحنائه وتمدده أو تقلصه باستخدام نظرية أويلر-بيرنولي للأشعة، والتي تستخدم خواص الشعاع مثل طوله ومساحة مقطعه والمادة التي صنع منها وغيرها. أيضا، يمكن تطبيق نظرية أويلر-بيرنولي على أشعة مختلفة في خواصها الميكانيكية لتعطينا نتائج دقيقة لكيفية صرف المادة تحت ظروف مختلفة، وهنا تكمن قوة النظرية العلمية حيث أنها قادرة على التنبؤ بعد ذلك.
هل هذا يعني أن نظرية أويلر-بينرولي، أو أي نظرية علمية تشرح كل شيء؟ لا. فالنظرية يمكن أن تكون متفرعة من نظرية أخرى أو مبنية عليها، فنظرية أويلر-بيرنولي تعتبر حالة خاصة لنظرية تيموشينكو للأشعة، ونتيجة لذلك، نطاق نظرية أويلر-بيرنولي محدود في مجال القوى الجانبية المطبقة على أشعة طويلة.
على أية حال، إذا كانت لدينا حقائق، لماذا نحتاج لنظريات؟ لأن الحقائق بدون نظريات تظل ظاهرة طبيعية غامضة لا تفسير لها. خذ على سبيل المثال اختلاف الوقت، فكلما اختلفت قوة حقل الجاذبية. حتى بدون نظرية، يمكننا فعلا حساب اختلاف الزمن بين ارتفاعان مختلفان عن سطح الأرض باستخدام ساعة ذرية دقيقة وبالتالي النسبية الخاصة حقيقة علمية. لكن ماذا عن التفسير؟ وماذا عن التفصيل؟ ماذا عن البرهان الرياضي؟ هنا تأتي النظرية لتعطينا كل ما نفقده من تفسيرات وشروحات وبراهين وتنبؤات بخصوص النسبية الخاصة. إذن، إن أردنا تعريف النظرية تعريفا غير علمي، يمكننا القول بأن النظرية هي شرح وتفسير قائمان على علوم تجريبية مختلفة لحقيقة العالم من حولنا.
العلم والعالم حولك مليء بالنظريات العلمية مثل التي ذكرناها أول في بداية المقالة، منها أيضا الجاذبية. نعم، الجاذبية نظرية. النظرية الجاذبية تتشكل من العديد من التفسيرات والشروحات العلمية التي المختصة بظاهرة انجذاب الأجسام الكبيرة مثل الأرض والكواكب والنجوم والصغيرة مثل الإلكترونات والفوتونات والأجسام دون الذرة لبعضها البعض. هذا لا يعني أن الجاذبية ليست حقيقة، بل هي حقيقة، ولا يسعك إلا أن تقفز حتى تعرف أنها حقيقة، لكنك تحتاج لنظريات أو نظريات عديدة حتى تفسر ماهيتها وطريقة عملها وتأثيرها.
جمال العلم وقوته تكون بالنظريات المدعومة بالأدلة. صحيح أن الكثير من النظريات غير مكتملة، لكن هنا يأتي إبداع العلماء والباحثين في كشف الستار عما يخفيه الكون و وما تخفيه الطبيعة عنا.
تعليق واحد
تعقيبات: محاربة العلم بنسخته المزيفة - سايوير