مدخل
يعتبر شلل الأعضاء من أكبر المعضلات التي حاول العلم ولايزال يحاول أن يجد حلولًا حقيقية تتلاءم مع متطلبات المصابين بالشلل، هنا أحاول أن أعرض الحلول العلمية التي إستطاع العلم أن يبرهن فعاليتها بالتجربة، وأريد أن أسلط الضوء على أحدث وآخر هذه التجارب التي مكّنت رجل عمره 39 سنة مشلول شلل كامل ومزمن بسبب حادث تعرّض له قبل أربع سنوات من تحريك عضلات الساق والمشي آلاف الأقدام باستخدام روبوت يلبسه كهيكل خارجي، كما هو موضح في الصورة الرئيسية في الأعلى، حيث تعتبر هذه المحاولة الأولى الناجحة لشخص مشلول شلل كامل ومزمن للتحرك بمساعدة روبوت يتحكم فيه بنفسه.
هناك أسباب كثيرة للشلل فهناك من يولد مشلول وهناك من يتعرض لحادث مركبة وهناك من يتعرض لجلطة دماغية وغيرها من الأسباب، وأحاول هنا سرد نقاط عامة عن أنواع الشلل من منظور حيوي، أي سننظر لأهم مسببات الشلل البيولوجية، وقد يتفق أو يختلف معي البعض في هذا التقسيم ولكن سردته بهذه الطريقة لكي يسهل فهمه.
الدماغ
تكمن مشكلة الشلل التي تتسبب من الدماغ بأن يفتقد المشلول القدرة على الحركة ليس بسبب مشكلة في جهازه العصبي أوالحبل الشوكي، وإنما لأن المنطقة المسؤولة عن الحركة في الدماغ تعاني من خلل ما، وعادة تكون ناتجة عن جلطات أو تورّمات أو بسبب حادث أو خبطة قوية على الرأس، وتختلف الحلول بحسب الإصابة والآثار الناتجة عنها، وكان الخيار الوحيد في السابق القريب هو التدخلات الجراحية وتعتبر من أصعب العمليات وأخطرها، ومن آخر التطورات التقنية كانت في مجال “قسطرة شرايين الدماغ” لمعالجة الجلطات فور إكتشافها، ومثل هذه الأجهزة يساعد على تسريع وزيادة نسبة نجاح عملية التشافي من الجلطات، وفي بعض الحالات الأخرى التي لايمكن استخدام فيها هذه التقنية إما لسبب تأخر إكتشافها أو صعوبة الوصول إليها، فقد تتطلب وقتًا أطول للتعافي منها، ومن المميزات الرئيسية للدماغ هو إمتيازه باللدونة العصبية والتي قد تسمح له بمحاولة التكيّف مع الخلل أو الإصابة وتختلف مدة التكيف بحسب نوع الإصابة.
الجهاز العصبي
المشكلة الناتجة عن خلل في الجهاز العصبي تكون عندما يكون هناك خلل في الوصل مابين الدماغ والعضو،فتجد الشخص لديه دماغ سليم ولكن يعاني من خلل في الجهاز العصبي يمنع إرسال الإشارات العصبية إلى العضو المشلول، وهناك عدد من الحلول التي توصل إليها العلم فهناك عدد من فرق البحث العلمي يعملون على زراعة أقطاب كهربائية على سطح الدماغ، وذلك لقراءة إشاراة الدماغ عن طريق كمبيوتر ومن ثم ترجمتها إلى أوامر للتحكم بالروبوت أو العضو الإصطناعي، وهذه الطريقة لها إستخدامات عديدة جدًا تحدثت عنها في حلقة بودكاست بشكل تفصيلي أكثر بعنوان “ربط الدماغ بالحاسوب“.
الجهاز العضلي
هناك من لايستطيع تحريك عضو معين أو عدة أعضاء بسبب خلل في جهاز العضلي أو العضلة المسؤولة عن تحريك العضو المشلول، وقدم العلم بعض الحلول لهذه المشكلة عن طريق ربط العضلات الأقرب التي لازال يستطيع الشخص التحكم فيها بعضلات العضو المشلول أو ربطها بيد إصطناعية للتحكم بها عن طريق قراءة إشارات التيارات الكهربائية الناتجة عن العضلات (إلكتروميوجرافي).
الحبل الشوكي (الأسلوب الجديد)
الشلل في هذه الحالة يكون ناتج عن خلل في الأعصاب داخل القناة الشوكية، وتكون ناتجة عن حوادث، والتدخل الجراحي عادة يكون المحاولة الأولى لإصلاح الخلل إن أمكن وتختلف الطرق باختلاف الحالة، ولكن إذا لم يتعافى الشخص لفترة أكثر من 6 أشهر، يعتبر في معظم الحالات أنه مصاب بشلل دائم، ويعتقد الباحثون أن اللذين يصابون بالشلل بسبب تلف في الحبل الشوكي لديهم عدد من الخلايا العصبية داخل القناة الشوكية القابلة للتحفيز، ويحاول الباحثون “إيقاظها” أو تحفيزها بإرسال إشارات كهربائية ضعيفة، ويأملون أن هذه الطريقة ستساعد المصابين على تعويض بعض المناطق التالفة لدى المصاب، واستطاع باحثون في جامعة كاليفورنيا – لوس أنجلوس بتقديم تجربتين تثبت فعالية هذه الفكرة:
التجربة الأولى
في عام ٢٠١١م، تعرض شخص يبلغ من العمر ٢٥ سنة لحادث سيارة في سنة ٢٠٠٦م وأصيب بشلل سفلي (نصفي)، وقام الباحثون بتجربة زراعة الأقطاب الكهربائية داخل الحبل الشوكي لتحفيز الخلايا العصبية كهربائيًا، والنتيجة كانت مذهلة حيث إستطاع المصاب من النهوض وتحريك قدميه فور تشغيل المحفز! وتعتبر هذه أول تجربة لإثبات المفهوم، وكانت قفزة علمية كبيرة وفريدة من نوعها في هذا المجال.
التجربة الثانية
والحل الجديد الذي قدمه نفس الباحثون في الدراسة الجديدة هو إمكانية تحفيز الحبل الشوكي كهربائيا عبر الجلد وبدون أي تدخل جراحي، كما أن هذه التجربة ربطت التحفيز الكهربائي بالهيكل الروبوتي لمساعدته في المشي، وبالرغم من أنه كان يحتاج إلى بعض المساعدة للمشي ولكن هذه التجربة أثبتت إمكانيته في المساهمة في تحريك نفسه، حتى وإن كانت هذه المساهمة بسيطة فهي تعتبر قفزة علمية كبيرة في هذا المجال، وهذا فيديو للشخص وهو يمشي بمساعدة الروبوت (اذكركم مرة أخرى .. أنهكان مشلول شلل كامل!)
مستقبل هذه التقنيات
تعتبر الأبحاث القائمة على ربط الكمبيوتر، الروبوت، وكذلك القراءة والتحفيز الكهربائي للأعصاب أبحاث جديدة نسبيًا، والتوقعات لنجاح هذه التقنيات عالية جدًا ولكن قد تحتاج من ١٠ إلى ٢٠ سنة أو أكثر مع تقدم التقنية والزيادة في عدد المعامل البحثية التي تعمل في هذه المجالات، ولكن يجب أن يكون تفاؤلنا معقول نسبيًا وأن نعطيها بعضًا من الوقت لأن المشاكل التي تعتمد على الأنظمة التي ترتبط بالدماغ أو حتى الأجهزة العصبية تعتبر مشاكل صعبة نسبيًا وتحتاج أنظمة عالية التعقيد لتتجاوب مع مختلف الأشخاص.
مصدر الصور/ Rob Summers