في سنة 1984 قام مجموعة من الباحثين برحلة بحرية لدراسة الدلافين، وأثناء وجودهم في البحر لفترة طويلة ولمللهم قرر أحدهم أن يضع العشب البحري على رأسه ليقلد ارتداء إله البحر اليوناني بوسيدون لتاج على رأسه، ثم ألقى بالعشب في الماء، وإذا بدلفين يلتقط العشب على رأسه هو أيضا كما فعل الباحث. نتساءل، هل الدولفين ذكي ويفهم؟ وهل كان في محاولة لتقليد العالم، أم أن هذه الحركة كانت مجرد مصادفة؟
الدلافين تنتمي لفصيلة الحيتانيات، وجيناتها تشترك مع ذوات الحوافر، حيث أنها تطورت في السابق من كائنات كانت تمشي على الأرض بأربعة أرجل، لتنتقل تجدريجيا إلى البحر قبل حوالي 55 مليون سنة في الماضي، ثم بعد ذلك تغيرت درجات الحرارة في المياه وذلك بحوالي 35 مليون سنة في الماضي، ولم يتوفر لهذه الحيتانيات الطعام، وقد كان من ضمنها أسلاف الدلافين، حيثؤ استطاعت أن تتأقلم مع البيئة المستجدة، وكبر دماغها لتصبح أكثر ذكاء، فتَكوّن لديها القدرة على استخدام الصوت للملاحة، وتطورت علاقاتها الاجتماعية.
مع الوقت تطور المخ لتصبح نسبته إلى نسبة جسمه في المرتبة الثانية بعد الإنسان. وهذا يعطيها القدرة على تكوين روابط مع الدلافين الأخرى بحيث تحمي نفسها من الافتراس، وكذلك يقوي العلاقات بينها لتربية الصغار، ولاصطياد السمك لأكله. وهذه الأساليب تنتقل من جيل إلى آخر، وقد لوحظ أن الفصائل المختلفة من الدلافين تنقل ثقافتها المتباينة عن الأخرى عبر أجيالها. حتى أن أحد أنواع الدلافين الأسترالية يستخدم الاسفنج لتغطية “منقاره” حينما يسبح بين المرجان الحاد لكي لا يصاب بالأذى، وتقوم هذه الدلافين بنقل الفكرة من جيل إلى آخر.
وكذلك فإن الدلافين لها القدرة على فهم اللغة، فهي تفهم الصفير والإشارة باليد، وتعرف ترتيب الأوامر إن أعطيت لها. أي أن لديها القدرة على فهم الكلمات التي تسمي الأشياء والأفعال، وتراكيب هذه الكلمات مع بعضها. وكذلك فإنها حينما ترى نفسها في المرآة فهي تتعرف على نفسها، وهذا يدل على وعيها الذاتي، بل أبعد من ذلك، فهم واعون لما يعرفونه بداخل أذهانهم، وقد أقيمت التجارب العلمية عليهم لإثبات ذلك.
ولعل من أكثر ما يميزها هو قدرتها على التعاطف، والإيثار، والتعلق، فهي تساعد المصاب حتى وإن كان ذلك خارج نطاق فصيلتها، فقد لوحظت وهي تنقذ البشر الغارقين، حيث تنقلهم من قعر الماء إلى السطح لكي يتمكنوا من التنفس، وهي أيضا تفجع لمواتها.
وهذا يدعونا للتساؤل، لماذا يقوم البشر باصطياد الدلافين، أو حجزهم للقيام ببعض الحركات البهلوانية رغم توفر كل هذه المعلومات عنها؟ السؤال ربما ليس عن ذكاء الدلافين، بل عن قدرة الإنسان على التعاطف معهم ليبقيهم في أمان وحرية.
المصدر: TED-Ed