سايوير موقع يعنى بالعلم والتكنولوجيا 
كيف تعلم أنك حقيقي؟ يبدو أنه سؤال بديهي حتى تحاول الإجابة عليه، لنأخذ السؤال على محمل الجد، كيف تعرف أنك موجود حقا؟ في كتابه “تفكرات في الفلسفة الأولى” (Meditations on First Philosophy) حاول ريني ديكارت أن يجيب على هذا التسؤال، لقد دمر كل تصوراته المسبقة وآرائه، ليبدأ من جديد، من القواعد.
كل معلوماته أتت من حواسه المستشعرة للعالم، كما يحدث معك أنت، أنت تعلم أنك تشاهد هذه اللقطة من خلال عينيك، وتستمتع لها بأذنيك، حواسك تريك العالم كما هو، إنها لا تخدعك، ولكنها تخدعك أحيانا، فقد تخطئ في تعرفك على شخص ما إن رأيته من بعيد، أو أنك كنت متأكدا أنك ستمسك بكرة مقذوفة، ولكنها تقع على الأرض، ولكن أنت تعلم أن ما تراه أمامك هو حقيقي، أليس كذلك؟ عيونك، ويدك، وجسدك، هذا كله هو أنت، المجانين هم من ينكر ذلك فقط، وأنت تعلم أنك لست مجنونا، أي شخص يشك في ذلك لابد أنه يحلم.
لحظة، ربما أنت تحلم الآن، الأحلام تشعرنا بأنها حقيقة، تستطيع أن تجعلك تصدق أنك تسبح أو تطير، أو حتى أنك تصارع وحشا بيديك، بينما جسدك الحقيقي نائم في الفراش، لا، لا، حينما تفيق من النوم أنت تعلم أنك صحوت من النوم، ولكن لحظة، لو أنك كنت تحلم، أنت لا تدري أنك تحلم، لذلك لن تستطيع أن تثبت أنك لست في حلم الآن.
قد يكون وأن الجسد الذي تشعر أنك تمتلكه هو في الحقيقة غير موجود، قد يكون وأن كل الواقع بما فيه من أشياء مجردة مثل الوقت والأشكال والألوان والأرقام كلها زائفة، كلها تضليل من عبقري شرير، فديكارت يسأل إن كنا نستطيع دحض فكرة أن شيطانا عبقريا شريرا خدعك لتعتقد أن الواقع هو حقيقي، قد يكون وأن هذا المخادع الشيطاني خدعك، فلا يمكنك أن تدحض أن كل من العالم واستشعارك له وجسدك لم يكونا إلا خيالا. كيف تستطيع أن تكون موجودا من غيرها؟ إن لم تكن هي موجودة، إذن أنت لست موجودا أيضا. الحياة ليست إلا حلما.
هل اقتنعت بهذا الكلام؟ جيد، لأنك إن اقتنعت به أو لم تقتنع فهذا ديليل على أنك موجود لتقتنع به، لا يمكن أن تكون “لا شيء” إذا كنت تفكر أنك “شيء”، حتى لو كنت تفكر أن ذلك الشيء هو لا شيء، فمهما كان ما تفكر به، فذلك يعني أنك أنت شيء يفكر، وكما قال ديكارت: “أنا أفكر، إذن أنا موجود”، وأنت كذلك موجود.
