الكثير من المقالات العلمية تدعي أن الصيام أو تخفيض السعرات الحرارية تطيل العمر أو تحسن الصحة، ولكن غالبا ما تقام هذه الدراسات على الفئران أو الديدان أو الحشرات أو حيوانات أخرى لمعرفة تأثيرها عليه لا على الإنسان، فالفئران المختبرية مثلا تعيش فترة قصيرة، ولذا فهي مناسبة لمعرفة الزيادة التي تجنيها في العمر إن أجريت عليها تجارب الصوم، ولكن الدراسات المعتبرة على الإنسان تكاد تكون معدومة، وأحد الأسباب تعود إلى كون عمر الإنسان أطول بكثير من عمر الفئران، مما يُصعب دراسته لمعرفة ما إذا كان الصيام يتسبب في إطالة عمره، ولكن دراسة جديدة سلطت الضوء على تأثيره على البشر من جانب واحد، وهو من خلال الجهاز المناعي، وقد تكون هذه هي واحدة من أهم الدراسات التي أثبتت أهمية الصيام وأثره الإيجابي على البشر.
أجريت دراسة أولية نشرت في مجلة “خلية جذعية خلية” (Cell Stem Cell) تبين أن الجهاز المناعي – وبالخصوص فيما يتعلق بكريات الدم البيضاء – يعاد تجديدها في الفئران إن صاموا بأسلوب معين، حيث أنها تتجدد بعد أن يقوم الفأر بالتخلص من القديم منها، ومن ثم يعود لإنتاجها من جديد باستخدام الخلايا الجذعية بعد عودته للأكل مرة أخرى، وكذلك بينت الدراسة أن الصيام يحمي الجهاز المناعي في البشر (لا الفئران) من التضرر أثناء العلاج الكيميائي من السرطان، وذلك لنفس الأسباب التي اُكتشفت في الفئران.
حتى يقوم الجسم بالتخلص من الخلايا القديمة وإنتاج جديدة لابد للصائم أن يمتنع عن الطعام لمدة أربع إلى خمسة أيام، وعندما يتم تجويع الجسم سيقاوم الجوع بتخفيض صرف الطاقة، ثم يتخلص من الخلايا الدفاعية المتضررة أو القديمة، وهذا سيتسبب بإنزال عدد الخلايا البيضاء.
لاحظ العلماء أن عدد الخلايا يزداد بعد أن يعود الشخص إلى الأكل مرة أخرى، ولمّا تساءلوا عن مصدرها، اكتشفوا أن الجين PKA يتوقف عن العمل، فتبدأ الخلايا الجذعية بإعادة سد النقصان بإنتاج خلايا دم بيضاء من جديد.
الفائدة من هذا النوع من الصيام يظهر في العلاج الكيميائي لمرض السرطان، فالجهاز المناعي يضعف حينما يُعرّض الجسم لوابل من المواد الكيميائية، ولكن إن صام المريض وتخلص جسمه من الخلايا المتضررة، ثم عاد لإنتاجها مرة أخرى، ستساهم هذه الخلايا الجديدة والنشطة بحماية الجسم من الأمراض خلال فترة العلاج. ولاحظ العلماء أيضا أن المرضى الذين يبدأون بالصيام بـ 72 ساعة قبل فترة العلاج الكيميائي يقاومون السموم التي يتسبب فيها العلاج. بالطبع، فإن الصيام لن يقضي على جميع المخاطر، ولكنه بالتأكيد يساهم في سلامة المريض نسبيا.
ولابد من التنويه إلى أن الصيام هنا ليس المقصود به الصيام الإسلامي الذي يبدأ من الفجر وينتهي في المغرب، بل المقصود به هو انقطاع الشخص عن الطعام بحد أقصى 4-5 أيام، مع تمكنه من شرب الماء والشاي من غير سكر (كما ذكر لي الدكتور “فالتر” أحد مؤلفي الورقة العلمية في رده على رسالة، حيث طلبت منه توضيح طريقة الصيام)، على أن يكون مراقبا من قبل المختصين، خوفا من أن يصاب بمشاكل صحية من جرائه. بل إن الصيام لمدة يوم كامل أو أقل – كما هو الحال في صيام يوم رمضان – لا يأتي بنفس النتائج. ناهيك عن أن الكثير من الناس تنام في فترة النهار أثناء الصيام بعد تناول وجبة دسمة ليلا في فترة السحور، وهذا يلغي تأثير الصيام الطبي الذي أقيمت عليه التجارب.
ربما سيأتي اليوم الذي تقام فيه دراسات دقيقة ومحكمة وموثوقة على الصيام المفروض، عندئذ سنفهم تأثيره من الناحية العلمية، إلى أن يأتي ذلك اليوم يجب أخذ الحذر في تطويع المقالات العلمية التي تدعي أن الصيام المقام في المختبرات العلمية له نفس تأثير الصيام المفروض من الله عز وجل، وحتى ذلك اليوم الذي تصبح فيه الأدلة جلية في نتائجها، ننتظر، وسيكون عندها بالإمكان التصريح كما نشاء.