كثيرًا مانسمع عن موضوع الإحتباس الحراري، وهناك الكثير من المشككين بصحته من عدمه أو مدى علاقة النشاطات الإنسانية بالتلوث البيئي الذي يتسبب بالإنحباس الحراري، من هؤلاء المنكرين لموضوع الإحتباس الحراري البروفيسور السعودي علي عشقي والذي نشر تقرير يتلخص بأن إرتفاع درجة الحرارة ماهو إلا نتيجة لدورات طبيعية وليس للأنشطة الإنسانية أي سبب في ذلك، يعني نفهم من التقرير أن هذه التغيرات الثلاث هي الوحيدة التي تسببت ولازالت تتسبب بالإحتباس الحراري (Global Warming) والعصور الجليدية (Global Cooling) ، وهي كالتالي:
- التغيرات الجيولوجية (الإنجراف القاري | حدث منذ ملايين السنين):
التقرير ذكر الأدلة على الإنجراف القاري وذكر بعض الأمثلة ومن ثم ختم الموضوع بمرور بسيط على نظرية تكتونية الألواح دون توضيح العلاقة بين التغيرات الجيولوجية والتغيرات المناخية، ولكن بعد مراجعة عدد من المصادر وجدت أن التغيرات الجيولوجية تتسبب في تغيرات مناخية طويلة المدى، وتاثيرها على المدى القصير ضئيل جدًا.
- التغيرات الفلكية (دورات تكوّن العصور الجليدية وهي ثلاث دورات | الأولى تحدث كل 100 ألف عام، والثانية كل 41 ألف عام، والثالثة كل 26 ألف عام):
التغيرات الناتجة تبعًا للدورات المذكورة معروفة عن العلماء ومدرجة ضمن النماذج التي تقوم بحساب وتوقع التغيرات المناخية، ويمكن لنا مقارنة تأثيرها بالتأثيرات الأخرى الناتجة من النشاطات الإنسانية والنشاطات الطبيعية بدقة عالية، ولكن فيه نقطة مهمة جدًا أن التغيرات المناخية الناتجة عن هذه ليست السبب في التغيرات المناخية في أيامنا هذه، بل أن كل الدلائل التي ذكرها التقرير تدعو إلى إنخفاض درجة الحرارة كما تشير هذه الدراسة [١].
- التغيرات قصيرة الزمن (البقع الشمسية | تحدث كل 11 عام):
التقرير فصّل في موضوع هذه التغيرات الناتجة عن الشمس واستدل على أن البقع الشمسية هي العامل الرئيسي في ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي عن طريق سرده لبعض من الدورات الشمسية، التقرير استخدم هذه الدورات بطريقة مغلوطة حيث استخدم مثال ” امتدت زراعة العنب حتى شمال الجزر البريطانية، كما تمكن الفايكنج من استيطان جزيرة جرين لاند التي عادة ما تتميز بصقيعها و انخفاض درجة حرارهتا طوال العام..”، والمغالطة تكمن في استدلاله على ارتفاع درجة الحرارة في هذه المنطقة عوضًا عن النظر إلى معدل درجة حرارة الأرض، بل تجد هذه المغالطة في كثير من الأماكن في التقرير حيث تجده يستدل بطول الشتاء في منطقة الشرق الأوسط لتدعيم نظرية تأثير الدورات الشمسية دون سرد العوامل الأخرى أو حتى درجة حرارة المناخ.
الإنتقادات الموجهة للتقرير
أولا: عدد المصادر المستخدمة ونوعيتها:
التقرير اعتمد اعتماد كامل على مراجع لـ John Casey وكذلك Henrik Svensmar لتبرير النشاطات الإنسانية في الإحتباس الحراري، والإدعاءات التي تشير إليها هذه المراجع تم تفنيدها بتفصيل ممل:
- المصدر الأول John Casey:
استند التقرير على كتبه ولوّح في أكثر من موضع عن المراكز التي تقلّدها في NASA ، ومحاولة عرضه كمتخصص في علم المناخ بينما لاتجد بحثًا علميًا واحدًا منشورا له في أي مجلّة علمية محكّمة، بل عندما تنظر في إدعاءاته تجدها تتلخص في نقطة واحدة وهي أن السبب وراء التغيرات المناخية هي الدورات الشمسية، وكلها تعود إلى بحث يدّعي أنه نشر في مجلة علمية محكّمة عام ٢٠٠٨، بعنوان:
“The existence of relational cycles of solar activity on a multi-decadal to centennial scale as significant models of climate change on Earth”
ولكن ببحث بسيط ستكتشف أنها غير منشورة في أي مكان غير موقعه الإلكتروني، وباختصار هذا البحث والإدعاءات التي تقوم على أن الإحتباس الحراري الذي نعيشه الآن هو بسبب الشمس كلها إدعاءات لا أصل لها، حيث أنه لم يشير أو يناقش أي من الأبحاث العلمية المنشورة التي تثبت أن الشمس ليست السبب وراء التغيرات المناخية في عصرنا هذا، إضافة إلى أنه لم يشرح كيف أن الدورة الشمسية رقم ٢٥ ستكون باردة وستنخفض درجة المناخ بما مقداره ١ الى ١.٥ درجة مئوية بحلول عام ٢٠٣١م، حيث أنه لم يعتمد على أي حسابات أو نماذج علمية وإنما كله تخمين في تخمين، تستطيع أن تقرأ هذه المقالة التي تحتوي على تفاصيل أكثر عن تفنيد كل هذه الإدعاءات.
- المصدر الثاني Henrik Svensmar: أهم إدعاءاته التي يرتكز عليها التقرير هي كالتالي:
- إدعاء أن الإحتباس الحراري توقف وبدأت المرحلة الجليدية: تم الرد على هذا الإدعاء عن طريق القياسات التجريبية تشير إلى عكس ذلك تمامًا وأن درجات الحرارة المناخ لازالت في إرتفاع مستمر مما يدل على أن الإحتباس الحراري لم يتوقف بعد، ويجب التنويه على أن الإنخفاض الملحوظ على درجات الحرارة السطحية على المدى القصير هي بالأصل ناتجة عن عملية التبادل الحراري بين الغلاف الجوي والمحيطات، حيث أن المحيطات لديها سعة حرارية أكبر بكثير من الهواء. (المصدر)
- إدعاء أن إنخفاض البقع الشمسية يقود إلى ضعف المجال المغناطيسي للشمس مما يتسبب باختراق الأشعة الكونية للغلاف الجوي (انظر إلى الشكل ١٥ في التقرير): كل هذه النظرية فشلت فشلًا ذريعًا عند تفسير ما حدث في آخر خمسين سنة انظر إلى الشكل (١) بالأسفل، حيث أن الإشعاعات الكونية زادت ومن المفترض (بحسب النظرية) أن زيادة هذه الإشعاعات يجب أن يتسبب بزيادة السحب الركامية والتي بدورها ستتسبب بانخفاض درجة الحرارة، ولكن ماحدث هو العكس تمامًا وهو ارتفاع درجة الحرارة!
ثانيًا: يدّعي أنه لايوجد أي دليل يربط الأنشطة الإنسانية بارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي:
هناك الكثير من الأدلة التي تربط الأنشطة الإنسانية بشكل واضح:
- كل الأبحاث تشير إلى أن العامل الرئيسي الذي يؤثر على درجة المناخ هي الإنبعاثات الكربونية، بل أن التاريخ الأرضي يدل على ذلك فعند مراجعته تجد العلاقة واضحة جدًا بين زيادة\نقص إنبعاثات ثاني إكسيد الكربون مع ارتفاع\انخفاض درجة حرارة المناخ، ولكن هذا يجرّنا إلى سؤال مهم وهو إذا كانت الأرض تصدر هذه الإنبعاثات الكربونية بشكل طبيعيًّا ما علاقة نشاطات الإنسان بذلك؟ الجواب لدى العلماء واضح وسهل حيث أنهم يستطيعون قياس كمية الإنبعاثات الكربونية الناتجة من التغيرات المناخية الطبيعية (مثل الإنجراف والبراكين وبخار البحار) وبين الإنبعاثات الكربونية الناتجة من حرق الوقود الأحفوري (النفط)، والشكل (٢) التالي يوضح الفرق حيث نرى بوضوح أن الفرق بين الإنبعاثات الكربونية الناتجة من الطبيعة متوازنة إلى حد بعيد مقارنة بالإنبعاثات الناتجة من الإنسان
- لم يشير التقرير إلى أي من النماذج التي استطاع العلماء تصميمها لقياس درجة حرارة المناخ بدقة كبيرة، حيث أن هذه النماذج تثبت العلاقة بين درجة حرارة المناخ وبين كل العوامل المؤثرة التي ذكرها التقرير أو لم يذكرها، الشكل (٣) التالي يوضح هذه العلاقة حيث أن التأثيرات الطبيعية لوحدها غير كافية لتفسير ارتفاع درجات الحرارة:
ثالثًا: يدّعي التقرير أن متوسط درجة الحرارة للعامين ٢٠١٤ و ٢٠١٥ كان أقل من متوسط كمية الحرارة الساقطة على سطح الأرض في العشر سنين الماضية:
هنا دليل آخر على أن التقرير وقع في مغالطة أخرى لا أعلم من أين مصدرها، حيث يستدل على طول الشتاء كدليل على انخفاض درجة حرارة المناخ في هذه السنتين بينما القراءات والقياسات العلمية تشير إلى عكس ذلك تمامًا، إنظر إلى الشكل (٤):
رابعًا: يزعم أن كل الأدلة والحقائق العلمية التي تربط علاقة النشاطات الإنسانية بالإحتباس الحراري في مؤتمرات الأرض العلمية أنها كلها مزورة:
التقرير يثبت عدم مهنيته بشدة في هذه النقطة بتكذيبه كل الدلائل والحقائق العلمية المنشورة في مجلات علمية محكّمة من قبل مختصين في المناخ، بل أن هناك دلائل كثيرة أخرى من مختصين في مجالات أخرى تدعم هذه العلاقة، حيث يشير التقرير إلى قضية الإيميلات المسروقة “Climate Gate” أو كما وصفها بالـ “الفضيحة” ولكن أترك الرد على هذه القضية بمقال في جريدة الرياض للدكتور أنور أبوالعلا (رئيس مركز اقتصاديات البترول | رابط المقال) بعنوان “مؤتمر كوبنهاجن (تغير المناخ حقائق أم تلفيق)” والذي باختصار يشير إلى نقاط مهمة مثل توقيت نشر الإيميلات المسروقة وعن مدى صحة تزوير البيانات التي لم تؤثر على الدلائل المنشورة في تقرير لجنة المناخ العلمية IPCC
خامسًا: يدّعي أنها مؤامرة من قبل “الإعلام الغربي” و “الأمريكي بدعم من شركات كبيرة وشخصيات مرموقة مثل الرئيس الأمريكي السابق بل كلنتون ونائبه آل جور”:
التقرير يحاول أن يقنعنك بأن الدول الصناعية والتي تتسبب في معظم الإنبعاثات الكربونية (السبب الرئيسي الحقيقي للإنحباس الحراري) خلقت هذه المؤامرة “لتحقيق مصالحهم في ابتزاز الدول المنتجة للنفط”، بل أن المنطق يدعو لأن يستخدم هذا الإدّعاء على التقرير نفسه الذي يحاول أن يبرئ النشاطات الإنسانية مستخدمًا أسوأ المصادر وضاربًا بالأبحاث العلمية والدراسات العديدة عرض الحائط، وكل الأدلة التي ذكرها والتي لم يتطرّق لها تشير على أن التقرير بحد ذاته مؤامرة لعدم الضغط على الشركات المتسببة بتلوث البيئة مثل شركات البترول والغاز والفحم وغيرها من المصانع الكيميائية والنووية!
مراجع ومصادر
- موقع ( Skeptical Science) وهو من أفضل المواقع التي تقوم بنشر كل المستجدات بخصوص التغيرات المناخية والرد على جميع إدعاءات المنكرين لها بطريقة إبداعية واحترافية عالية، العيب الوحيد أن الموقع يفتقد إلى اللغة العربية وأتمنى أن يقوم فريق عربي بإضافة اللغة العربية وترجمة المحتوى.
- كورس اونلاين مجاني باللغة الإنجليزية يشرح الإشكالية والمغالطات التي يستخدمها المنكرين للتغيرات المناخية من قبل علماء متخصصين في مجالاتهم، والكورس عبار عن سلسلة من مقاطع فيديو قصيرة وموجهة للعامة ولاتتطلب خلفية علمية في مجال المناخ ( رابط الكورس)
- الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC، ويحتوي على نسخة عربية مع مطبوعات عربية مترجمة (الموقع)
تعليق واحد
تعقيبات: محاربة العلم بنسخته المزيفة - سايوير