الغرافين، الكل يتحدث عنه، حينما تسمع عنه كأنك تقرأ عن مادة لا توجد إلا في المجلات المصورة. فعُرض الشريحة هي بعرض ذرة واحدة، توصل الكهرباء بأفضل من الفضة، وتوصل الحرارة بأحسن من الألماس، وهي أقوى من الفولاذ. تحتاج لتوقف فيلا على قلم رصاص حاد فوق شريحة من الغرافين تعادل ورق البلاستيك (النايلون) لكي تخترقها.
في المقابل مادة الغرافايت مكونة من نفس المادة، ولكنها هشة (مثل المادة التي يتكون منها قلم الرصاص)، فما الموضوع؟
الغرافين يتكون من الكربون، وهو يكون في حالته الكرستالية الطبيعية بطريقتين، فهناك الغرافايت، والذي هو طبقات من الغرافين فوق بعضها البعض، وهناك أيضا الألماس، وهو شبكة من الكربون مترابطة على شكل رباعي السطوح، كل منها تلي الأخرى. بالرغم من أنها تتكون من نفس الذرات إلا أنها لا تشترك بنفس الخصائص. فالألماس شفاف، والغرافايت أسود، والألماس هو عازل شبه كامل، والغرافايت هو موصل للحرارة والكهرباء بامتياز.
الفرق بين هاتين المادتين هو اختلاف تركيبة الذرات التي فيه. الكربون يحتوي على 4 إلكترونات في الغلاف الخارجي للذرة (غلاف التكافؤ)، أما إلكترونات الألماس، فكلها متصلة بالذرات المحيطة، لتكون أشكالا رباعية السطوح، وهذا يتسبب في تكوين كرستال قوي جدا، وهذا هو السبب الذي يجعله عازلا ممتازا، حيث لا توجد إلكترونات حرة لنقل التيار، وكذلك فإن الألماس أيضا شفاف لأن الضوء لا يستطيع أن يثير الإلكترونات المترابطة في روابط مستقرة، فهو لا يمتص الضوء.
الغرافايت، في المقابل، تكون الروابط فيه مع 3 ذرات كربونيه من حوله، وهذه الذرات تكوّن شريحة ثنائية الأبعاد بأشكال سداسية، حيث كل أن ذرة تمتلك إلكترونا واحدا غير مرتبط، ولذلك فهذه الإلكترونات حرة وتتحرك حينما نمرر تيار كهربائي خلاله، وهي أيضا تقوم بابتلاع الضوء الذي يمر ، فيمتنع الضوء من المرور، فيصبح داكنا.
صحيح أن الغرافايت موصل ممتاز، إلا أن تركيبته الطبيعية تحتوي على طبقات من شرائح الغرافين، وحينما يمر التيار فإن الإلكترونات تتحرك باتجاهات مختلفة فيه، ولكن إن أخذنا طبقة واحدة من الغرافايت (الغرافين)، عندئذ سيكون لدينا خط سريع للإلكترونات، فهو مكون من مصفوفة مسطحة من ذرات الكربون تُسرِع خلالها الإلكترونات.
وهذه الطبقات من الكربون، يمكن بسهولة فصلها عن بعضها، لأنها ليست مرتبطة جزيئيا مع بعضها البعض، ولهذا الغرافايت هش، بدلا من ذلك هي مرتبطة بروابط تسمى بـ “فاندر والز”، وهي قوة إلكتروستاتيكية ضعيفة، وهي نفس القوة التي تجعل اللاصق يلتصق في الأشياء.
أُكتشف الغرافين سنة 2004 عن طريق عالمان فيزيائيان من جامعة مانشستر، إنهما “آندري غايم” و”كونستينتين نوفوسلاف”، حيث قررا استخدام شريط لاصق لخلع طبقة بعد طبقة من الغرافايت، إلى أن وصلا إلى طبقة بسماكة ذرة واحدة.
ما هي استخدامات الغرافين؟ بسبب قدرته العالية على التوصيل، يفكر العلماء في استبدل السيليكون في الشرائح الإلكترونية به، ليس لأن الإلكترونات تتحرك خلالها بسرعة أكبر فقط، ولكن لأنها لا تتأثر بالتشويش بنفس الدرجة أيضا، ذلك يعني سهولة حركة الإلكترونات من جهة إلى جهة من غير أي إعاقات، وهذا يعني أن الترانزيستورات ستستطيع أن تعمل بترددات تصل إلى 1000 غيغا هرتز، وهذا يعادل 10 أضعاف السيليكون.
استخدام آخر له سيكون في صناعة الشاشات، فالطبقة الخارجية للشاشة لابد أن تكون مصنوعة من موصل ممتاز، حتى تتمكن من استشعار أطراف الأصابع، المادة المستخدمة في الشاشات حاليا هي Indium Tin Oxide، وهي نادرة وهشة.
حتى إن كان الغرافين في حالته البودرية يحتفظ بخصائصه المذهلة، حيث يمكن استبدال الغرافايت وأصناف أخرى من تراكيب الكربون به، ويمكن صناعة عجلات السيارات منه، وكذلك البطاريات لجعلها أقوى وأكثر توصيلا.
المشكلة الأساسية في الغرافين هي تصنيعه، فتقشير طبقات الغرافين واحدة تلو الأخرى باستخدام لاصق هي فكرة لا يمكن تطويرها، بدلا من ذلك بالإمكان تنميته باستخدام الهيدروكربونات مثل الميثان بحيث ينفصل الهيدروجين، ليترك الكربون وراءه، ولكن الغرافين الذي يتكون بهذه الطريقة سيكون ذات جودة أقل. في الحقيقة أن إنتاج شريحة مكونة من طبقة بحجم ذرة واحدة لأي مادة هو شيء صعب، وكذلك من الصعب إنتاج مادة نقية من الشوائب، وفي هذه الحالة العلماء يحاولون أن يقوموا بهاتين العمليتين معا.
لنتذكر أن مصانع السيليكون كانت تواجه نفس المشكلة قبل خمسون عاما، وفي النهاية وجدوا حلا لها بوجود الوقت والمال. أضف بعض الوقت والمال، وسيتمكن العلماء بالقيام بنفس الشيء مع الغرافين.
المصدر: SciShow