هكذا انتشر خبر الذكاء الاصطناعي وأصبح أكثر أخبار التقنية تداولا. انتشر بعنوان مثير جدا، “فيسبوك تغلق روبوتين بعد أن طورا لغتهما الخاصة في التفاوض.” ولكن ما هي حقيقة الخبر؟ وما هي المبالغة التي هولتها وسائل الأخبار؟ الخبر فعلا مثير، ولكن وسائل الأخبار بالغت به إلى الحد الذي دفع خيال البعض إلى أبعد بكثير من الواقع، بل أخاف الكثير من الحاضر قبل المستقبل (وإن كان لابد من الحذر من المستوى الذي سيصل إليه الذكاء الاصطناعي مستقبلا).
بداية ما هو موضوع الخبر؟ انتشر خبر إن فيسبوك كانت تقوم بتجارب على الذكاء الاصطناعي بحيث يتفاوض – لنقل – روبوتين مع بضعهما لتقاسم سلع محددة بينهما، استخدمت الخلايا العصبية الاصطناعية لذلك (تستطيع سماع حلقة السايوير حول الخلايا العصبية الاصطناعية من خلال أب السايوير على الآيفون أو الآندرويد للمزيد من المعلومات)، كانت الفكرة أن الروبوتين سيتقاسمان قبعات وكرات وكتب وهمية مع بعض، بحيث يتم هذا التقاسم خطابيا بين الإثنين.
أسمي الروبوتان أليس وبوب (Alice and Bob)، بدأ الربوتان بالتخاطب باللغة الإنجليزية، ولكن تطور الخطاب بينهما بطريقة خرجت عن نطاق التعبير الإنجليزي المنسق والمنتظم من حيث الإعراب، ومع ذلك أصبح هناك تبادل تجاري منطقي بين أليس وبوب، خرج الروبوتين عن اللغة الإنجليزية التي بدءا بها، وانتهى بهما المطاف إلى لغة “مشفرة”، فقرر العاملين على الخوارزميات في فيسبوك إنهاء الحوار الغريب بعد ذلك.
أتى في بعض الحوار بين بوب وأليس التالي:
بوب: أنا أستطيع أنا أنا كل شيء آخر . . . . . . . . . . . . .
أليس: كرات بها صفر بالنسبة لي بالنسبة لي بالنسبة لي بالنسبة لي بالنسبة لي بالنسبة لي بالنسبة لي بالنسبة لي بالنسبة لي
بوب: أنت أنا كل شيء آخر . . . . . . . . . . . .
أليس: كرات لديها كرة بالنسبة لي بالنسبة لي بالنسبة لي بالنسبة لي بالنسبة لي بالنسبة لي بالنسبة لي
بوب: أنا أنا أستطيع أنا أنا أنا كل شيء آخر . . . . . . . . . . . .
أليس: كرات لديها كرة بالنسبة لي بالنسبة لي بالنسبة لي بالنسبة لي بالنسبة لي بالنسبة
بوب: أنا . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
رغم أن المحادثة غريبة، إلا أنها تطورت لتناسب الهدف المنشود، وهو التفاهم من أجل التقاسم العادل، بسرعة عالية وبكفاءة، المشكلة تبدو في أننا لا نفهم هذه اللغة التي تطورت من اللغة الإنجليزية. نتساءل، لماذا لم يكمل بوب وأليس حوارهما باللغة الإنجليزية؟ ببساطة لأن مبرمجي الخلايا العصبية الاصطناعية لم يضعوا أية شروط في استخدام اللغة الإنجليزية المعتادة للتفاوض، ولذلك بدأت الحوار في أخذ منحى آخر لم يكن يتوقعه أحد.
عندها قرر المبرمجون أن يوقفوا البرنامج من الإكمال في ذلك المنحى الغريب، لا! لم يصب المبرمجين بالهلع، ليهرعوا لجر سلك الكهرباء عن الكمبيوترات لأنها أنتجت لغة أخافتهم. بالغت وسائل الأخبار في نشر الخبر بهذا النّفَس المرتعب، وهولت النتائج لتبدو وكأن الربوتات بدأت بالخروج عن طوع البشر، وأنها بدأت بالتخفي خلف ستار لغة مشفرة جديدة بعيدا عن فهم الإنسان.
ذكر دروف باترا (Dhruv Batra) أحد الباحثين في هذه الدراسة أن الملاحظ في لغة بوب وأليس أنهما كررا الكلمات بدلا من استخدام الأرقام، “كما لو أقول (ذلك) خمسة مرات، ستفسر ذلك على أنه يعني أنني أريد خمسة نسخ من (ذلك) الشيء، ليس هذا غريبا عن الطريقة التي تطور فيها المجتمعات اختصارات.” إذن، من الملاحظ إن الحوار الدائر بين أليس وبوب لم يكن بتلك الغرابة بعد هذا التحليل.
لقد أوقف المبرمجين البرنامج لأنه خرج عن الأهداف، حيث كان من المفروض أن يتم التخاطب بلغة قريبة من التي نتحدث بها نحن، حتى يُستخدم الذكاء الاصطناعي للتخاطب معنا مستقبلا.
صحيح إن صياغة الخبر كانت أكثر إثارة وإخافة مما يجب أن تكون، إلا إن الحق يجب أن يقال، فالخلايا العصبية الاصطناعية تتطور بشكل مخيف، ففي كل يوم تحدث تطورات جديدة مذهلة، وسيأتي اليوم – ولا أشك في ذلك أبدا – الذي تتطور فيه الكمبيوترات لتسقط الإنسان من على عرش ذكائه الذي يتميز به عن باقي الكائنات الحية.
المصدر: Gizmodo، The Telegraph، FastCo
بارك الله فيك دكتور محمد
مقال جميل ووافي. فعلا كان الخبر صادم ومرعب