سابقًا كلفت أجهزة الكمبيوتر الملايين من الدولارات؛ وبالرغم أنها صممت داخل غرف كبيرة خاصة مجهزة بدوائر كهربائية، ومكيفات الهواء. إلا أن مشغلوها اناس خاصين تم تدريبهم على استخدامها وكتابة برامجها بلغة خاصة بالكمبيوتر. لكننا اليوم، نشهد تطورا في تقنية تسمى بالاستشعار التفاعلي، والتي تستخدم منصات وشاشات اللمس المتعددة، وأيضًا نشهد الطفرة العلمية في تقنية العالم الافتراضي الثلاثية الأبعاد، والتي تسمح لنا بالتفاعل مع الأجهزة الرقمية بطرق مشابهة جدًا وقريبة لتفاعلنا مع الأشياء الحقيقة الواقعية.
هذا العالم التفاعلي الجديد لن يكون حكرًا ومفتوحا فقط لمجموعة صغيرة من الناس حتى يتسنى لهم تجربته. بل سيسمح لأي شخص تقريبًا ممارسته بطريقته الخاصة بإبداع وابتكار. وهذه القدرات لا تتطلب أن يكون المستخدم نابغا في الرياضيات أو خبيرا في البرمجة. فكتطبيق “A-Frame” الخاص بشركة موزيلا “Mozilla” جعل من مهمة إنشاء نماذج الـ 3D المعقدة أسهل بكثير على المبرمجين. وايضًا برنامج قوقل “Tilt Brush” يتيح لأي شخص بناء وتحرير عوالم 3D دون أن يشترط مهارات برمجية على الإطلاق.
وأتمنى أن يطور بحثي المرحلة المقبلة في التفاعل بين الإنسان والكمبيوتر. فنحن نراقب نشاط دماغ الناس في الوقت الحالي ونحاول فهم أفكار محددة (كـ “الشجرة” مقابل “الكلب” أو بيتزا معينة تحتل المرتبة الاولى). ستكون بالتأكيد مرحلة تاريخية متقدمة في التطور التكنولوجي الذي ينتظره الناس – وسيتوسع استخدامه بشكل كبير في السنوات القادمة.
الحد من الخبرات اللازمة
نبع من أجهزة الكمبيوتر السابقة المتعمدة على لغات برمجية محددة لكل آلة لغة البرمجة “فورتران” التي كانت بداية الطريق لتطوير لغة تسمح للناس بإستخدام أجهزة الكمبيوتر. حيث شمل النطاق المبرمجين والعلماء والمهندسين الذين كانوا متمرسين على القوانين الرياضية. كان هذا عصر ما يسمى بالبطاقات المثقبة (Punched card)، عندما كانت البرامج مكتوبة بعدة ثقوب داخل بطاقات، وكان المخرجات بدون رسومات – فقط أحرف لوحة المفاتيح.
بحلول أواخر عام 1960م استطاع المخططين الميكانيكيين بالتعاون مع المبرمجين رسم صور بسيطة عن طريق إخبار الكمبيوتر بتحريك القلم إلى الاعلى والاسفل، وتحريكه على مسافة معينة أفقيًا أو عموديًا على قطعة من الورق. كانت الأوامر والرسومات بسيطة، لكن حتى ترسم زاوية منحنية بسيطة يجب عليك فهم علم الهندسة، حتى تتمكن من تحديد الفواصل الصغيرة جدًا من الخطوط الأفقية والعمودية التي من شأنها أن تبدو وكأنها منحنية عند الإنتهاء.
وفي عام 1980م اضيف ما أصبح مألوفًا لاحقًا في الويندوز الأيقونات والماوس. حيث سمحت لغير المبرمجين بتصميم الصور بشكل أسرع وأسهل – لدرجة أن العديد من المؤلفين الفكاهيين والفنانين توقفوا عن الرسم بالحبر وبدأو العمل على الكمبيوتر. فأفلام الرسوم المتحركة أصبحت رقمية، وطور المبرمجين أدواتهم ليتسنى للرسامين استخدامها.
ثم ظهرت أدوات أبسط تباع للمستهلكين. ثم في وقت مبكر من عام 1990 ظهر مايسمى بمكتبة OpenGL، وقد سمحت للمبرمجين بناء نماذج 2D و3D رقمية، وإضافة ألوان وحركات وتفاعلات لهذه النماذج.
في السنوات الأخيرة، أصبحت شاشات الـ 3D أصغر وأرخص بكثير من الأنظمة الغالية الثمن المماثلة في عام 1990م. فهي لا تحتاج إلا مساحة عرض 30 قدمًا، في 30 قدم طول وارتفاع 20 قدمًا لتتناسب مع أنظمة الاسقاط الخلفية (Rear-projection systems). ومع التطورات التقنية أصبح بإمكان حاملي الهواتف الذكية شراء شاشة 3D بأقل من 100 دولار.
واجهة الاستخدام اصبحت أكثر قوة. ومنصات اللمس المتعدد وشاشات اللمس بدأت التعرف على حركات الأصابع المتعددة والمختلفة على السطح، بينما أجهزة مثل وي “Wii” و كينيكت “Kinect” تتعرف على حركات الذراعين والساقين. وهناك شركة تدعى فوف “Fove” تعمل الآن على تطوير سماعة VR تتبع عيون المستخدمين، والتي سوف، تتطور في المستقبل، حتى تجعل الناس يتواصلون بالعين مع الشخصيات الافتراضية.
التخطيط على المدى الطويل
أقوم في بحثي الخاص بالمساعدة للمضي قدمًا على ما يمكن أن يطلق عليه بـ “الحوسبة سريعة التفكير”. وسيكون المشروع منخفض التكلفة ومفتوح المصدر مثل OpenBCI يسمح للناس بتطوير سماعات عصبية “Neuroheadsets” التي بدورها تقوم بمراقبة نشاط الدماغ بدون جراحة.
وآمل أنه بعد مرور 10 إلى 15 سنة سأتمكن من خلال أنظمة الأجهزة الحديثة والبرمجيات وباستخدام هذه الأنواع من السماعات العصبية التعرف على الأسماء التي فكرت بها في الماضي خلال دقائق قليلة. وإذا استطاعت الانظمة رد وفهم موضوعات أفكاري الأخيرة، سيمكنني أن استرجع خطواتي وأتذكر أفكاري ومعتقداتي الأخيرة.
ومع المزيد من التطور، ربما قد يستطيع الكاتب ارتداء أي سماعات عصبية رخيصة التكلفة، وما عليه إلا أن يتخيل الشخصيات، والبيئة، وتفاعلاتها. ثم يقوم الكمبيوتر بتسليم المسودة الأولى للقصة القصيرة، إما على شكل ملف نصي أو حتى ملف فيديو يُظهر المشاهد والحوارات كما تخيلها الكاتب.
المهمة المستقبلية
فكرة إنسانية واحدة قد تتمكن من الاتصال مباشرة مع أجهزة الكمبيوتر، وتفتح عالم جديد أمامنا. وأتمنى يوم ما، أن ألعب مباريات في العالم الافتراضي لتشتمل على تفاعلات اجتماعية كما هو الحال في المباريات التجريبية “Prom Week” و “Façade” وأيضا اللعبة التجارية “Blood & Laurels”.
فهذا النوع من التجارب لا يقتصر على اللعب فقط. بل ستسمح منصات البرمجيات مثل فيرسيو “Versu” بكتابة أنواعا من الألعاب، ووضع الشخصيات في نفس البيئات الافتراضية التي سوف نعيشها.
منذ سنوات، وأنا اتخيل تطبيق يسمح لي بالبحث بسهولة على أوراق افتراضية تحوم من حولي، وهي التي تجعلني اتصفح العديد من المراجع لإيجاد مصادر مهمة لمشروع ما. وأود أيضا أن أتمتع حقا بلعب الكويديتش “Quidditch” مع أشخاص آخرين في حين أننا جميعًا نعيش تجربة الإحساس بالطيران عبر شاشة تُحمل على الرأس ونسيطر على المكانس عن طريق إمالة ولف أجسامنا.
واتصور بمجرد أن يصبح مستشعر الحركة متاحًا وبتكلفة منخفضة، سيظهر شكل جديد رقمي لرواية القصص. اتخيل مجموعة من الأصدقاء وهم يمثلون القصة، ثم يطابقون حركات أجسادهم وتمثيلها على شخصيات 3D رمزية في العالم الافتراضي. قد يتمكنون من استخدام مجموعة كاميرات افتراضية لتصوير العمل من جهات متعددة، ومن ثم إنتاج الفيديو.
هذا النوع من الإبداع يمكن أن يؤدي إلى المزيد من المشاريع المعقدة، وكلها سيتم تصوريها في عقول المبدعين وتحويلها إلى تجارب افتراضية. لربما قد يتمكن المؤرخون الهواة وبدون مهارات برمجية من بناء نظم واقعية تطغى على آراء العالم الحقيقي باختيار صور من الصور التاريخية وتحويلها إلى نماذج رقمية كالمباني التي لم تعد موجودة في يوم من الأيام.
وأخيرا من الممكن في المستقبل أن ننشئ شخصيات تتحدث مع المستخدمين. كون التكنولوجيا لا تزال تحظى بمزيد من التقدم لتصبح أسهل للاستخدام، فبدل ان نقوم ببناء المجسمات الهندسية من الورق المقوى، والطين، والأغصان. سنتمكن من بناءها في الفضاء الافتراضي وبالحجم الطبيعي.
فرانسيس فان سكوي “Frances Van Scoy“، أستاذ مشارك في قسم علوم الكمبيوتر والهندسة الكهربائية، بجامعة وست فرجينيا
هذه المقالة نشرت في The Conversation. اقرأ المقال الأصلي هنا.