كنتَ غارقا في نوم عميق فاستيقظت، تريد أن تتحرك لكن شيء ما يشل جسمك وأطرافك ويمنعهم من الحركة. شيء ما يجثم على صدرك، فيضيق نَفَسُك أو ربما تحس بحضور غريب في غرفتك يحاول النيل منك أو أذيتك. تريد أن تصرخ فلا تستطيع حتى على تحريك لسانك وشفتيك. فتعيش حالة رعب وهلع غير مسبوقين وأنت نائم في فراشك لثوان معدودات أو دقائق، ثم يستيقظ جسمك ويتحرك، فتصل إلى بر الأمان بعد هذه الهستيريا. إنه شعور مرعب فعلا – إن جربت الجاثوم في نومك.
ينتشر مفهوم الجاثوم و الهلوسات المرافقة له في كل ثقافات العالم وحكاياتها. ستجدها في اليابان و الصين و الوطن العربي و تركيا و أوروبا و أمريكا. الفكرة الأساسية هي نفسها، لكنها تختلف قليلا من ثقافة لأخرى من حيث المصطلحات وطريقة السرد، يُعتقد أن هناك روح شريرة أو شيطان أو امرأة عجوز تجثم على صدور النائمين حتى يستيقظوا في وهم حالة من الخوف و الهلع. تذكر بعض الروايات أن تلك الروح أو ذلك الشيطان يريد ممارسة الجنس مع النائم رغما عنه وبالقوة، وهذا ما يمسى بالحضون incubus أو الحضونة succubus. وفي نسخ أخرى من هذه الظاهرة يقال أنه يوجد حضور غريب في الغرفة أو متطفل لا تُعرف دوافعه يحوم حول النائم ويريد به شيء.
يعزي الكثير من الناس وخصوصا مناصري نظرية المخلوقات الفضائية الذكية أن هذه الأحلام دليل على زيارة الكائنات الفضائية للناس والتفاعل معهم لاختطافهم، مما يؤدي إلى تلك الأحلام الغريبة و الهلع – أو ما نسميه الجاثوم في ثقافتنا.
تسمى هذه الظاهرة في الوسط العلمي بشلل النوم sleep paralysis، وهي عدم القدرة على الحركة أو الكلام مؤقتا عند الاستيقاظ أو عند النوم[1]. لكي نعرف ما الذي يسبب شلل النوم يجب علينا – أولا – معرفة كيفية حدوث النوم وارتباطه بنشاطات مخ النائم. يمر النائم في خمس مراحل عند النوم: 1 و 2 و 3 و 4 و ح.ع.س (حركة عين سريعة Rapid Eye Movement)، النائم يمر بهذه المراحل دوريا، والدورة الكاملة تأخذ حوالي 90 إلى 110 دقائق.
المراحل الأربعة هي كالتالي:
المرحلة 1: هي الدخول والخروج من النوم، حيث يمكن ايقاظ النائم منها بسهولة. وفي هذه المرحلة تتحرك العين ببطء، وتتباطىء الأنشطة العضلية. الكثير من الناس تنكمش عضلاتهم فجأة، فيُخيل لهم أنهم يسقطون.
المرحلة 2: العين تتوقف عن الحركة، وتتباطأ موجات المخ مع وجود موجات مخية عرضية سريعة.
المرحلة 3: المخ ينتج موجات بطيئة يطلق عليها اسم موجات دلتا delta waves [2]، وتتخللها موجات سريعة وبطيئة.
المرحلة 4: المخ ينتج موجات دلتا شبه حصريا.
تُسمى المرحلتان 3 و 4 بالنوم العميق، حيث يكون ايقاظ النائم منهما أمر صعب. لا توجد حركة في عينه أو نشاطا في عضلاته. في هاتين المرحلتين يحدث وأن بعض الأطفال يتبولون في الفراش، أو ربما يمشي بعض الأشخاص أثناء النوم (في عام 2008 تم حذف المرحلة 4 في الولايات المتحدة الأمريكية باعتبار أن المرحلة 3 نفسها و تعبر عنها). موجات النوم البطيئة تأتي في النصف الأول من الليل أما نوم ح.ع.س REM فيأتي في النصف الآخر.
المرحلة ح.ع.س: يصبح التنفس سريعا و غير منتظم، وتتحرك العينان بسرعة، وتصبح عضلات الأطراف مشلولة مؤقتا. فتزداد موجات المخ في هذه المرحلة لتكون نفس موجات المخ عندما يكون الشخص مستيقظا. كذلك فإن دقات القلب و ضغط الدم يزدادان، وينتصب الذكر لدى الرجال، ويفقد الجسم قدرته على تنظيم درجة حرارته. هذا وقت حدوث معظم الأحلام، إن استيقظ الشخص عند مرحلة ح.ع.س يمكنه تذكر حلمه. أغلب الناس تمر بمرحلة ح.ع.س من ثلاث إلى خمس مرات كل ليلة.
توضح الصورة أعلاه موجات المخ خلال مراحل النوم، لاحظ تقارب تردد الموجات في طور الاستيقاظ و طور ح.ع.س[3]. يحدث شلل النوم في مرحلة ح.ع.س حيث يكون المخ نشط و العضلات مشلولة مؤقتا. على أية حال، لماذا يقوم المخ باختلاق تلك المشاهد المرعبة مثل وجود حضور غريب في الغرفة أو عجوز قابعة على صدرك؟ في ورقة علمية[4] يتحدث فيها الباحث في علم الأعصاب و النفس جيمس ألان تيشن James Allan Cheyne من جامعة ووترلوو University of Waterloo، يتحدث فيها عن دور اللوزة الدماغية Amygdala الموضحة مواقعها في الدماغ
اللوزة الدماغية تشكل المحور الأساسي في فهم سيناريوهات الهلع و الخوف المصاحبة لشلل النوم. في مرحلة ح.ع.س تنتج موجات تحفيز في المخ و تمر عبر اللوزة الدماغية خلال الوصلات الدماغية وعندما تنشط اللوزة الدماغية تنتج حالة يقظة مفرطة hypervigilant state يكون فيها نظام الإحساس العصبي مشتغل للحد الأقصى مما يجعل الشخص يشعر بوجود تهديد أو خطر محدق. في حالة اليقظة المفرطة يداوم المخ على البحث عن أي شيء يمثل خطر محتمل مثل أشخاص أو تصرفات أو أصوات وهذه ميكانيكية دفاعية تمكن الشخص من اخذ الحيطة و الحذر ليدافع عن نفسه أو يهرب. أشارت عدة دراسات[5] إلى أن تحفيز اللوزة الدماغية كهربائيا عند بعض أنواع الحيوانات (مثل الفئران و الأرانب) يزيد من الانتباه لدهيم، أو تزيد من العمليات المرتبطة بالانتباه، وقد كانت أكثر ردود الفعل عند إثارة اللوزة الدماغية هي الانتباه و اخذ وضعية استعداد.
في أعمال كلوفر و بوسي[6] أُزيلت فصوص الصدغية من قرود مع اللوزة الدماغية و قرن آمون. بعد هذه الإزالات صار عند القرود عمى نفسي حيث كانت تقترب من أي جسم متحرك أو ساكن و تتفحصه بفمها بدلا من يديها، سواء كانت قطعة أكل أو براز أو حية أو مصباح. القرود أصبحت تميل إلى – بل مجبورة لـ – تتفحص أي شيء في مرمى بصرها. حيث افتقرت إلى المشاعر المرتبطة بالخوف و الخطر. سميت هذه الحالة، أي حالة غياب أو إصابة الفص الصدغي و اللوزة الدماغية بحالة كلوفر-بوسي.
لوحظ أيضا أن القرود تصبح أكثر ودية مع القرود الأخرى على الصعيد الجنسي و الغير جنسي. ماذا عن البشر؟ إصابة اللوزة الدماغية بضرر عند البشر يقلل من الخوف عندهم. في تجربة أجريت على مريضة س.م.[7] أُصيبت لوزتها الدماغية، عرض عليها الباحثون ثعابين و عناكب حية، و أخذوها في جولة داخل منزل مسكون و أشهدوها أفلام مستفزة. لم تبد س.م. الخوف و لم تقر بأي شعور سوى مستويات متدنية من الخوف. هكذا نستنتج أن اللوزة الدماغية هي جزء جوهري في فهم الخوف عند الإنسان و هي المسؤولة عن سيناريوهات الهلع عند الجاثوم و الخوف و الذعر.
إذا أتاك الجاثوم، فاعلم (اذا استطعت عندها) أنه مسرحية من تأليف عوامل خارجية واخراج مخك وبالذات اللوزة الدماغية، وتذكر أنك أسهل شخص يمكن أن تخدعه، فلا يوجد الجاثوم إلا في تجاعيد مخك و ثنايا عقلك.
[1] http://www.nhs.uk/Conditions/Sleep-paralysis/Pages/Introduction.aspx [2] http://www.brainworksneurotherapy.com/what-are-brainwaves
[3] http://www.sleepdex.org/stages.htm
[4] http://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S105381009990404X
[5] http://www.nature.com/mp/journal/v6/n1/full/4000812a.html
[6] Kluver H, Bucy PC. Preliminary analysis of functions of the temporal lobes in monkeys. Arch Neurol Psychiatry 1939; 42: 979-1000,
[7] http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3030206/