التنبؤ في المستقبل
غُلِبَتِ الرُّومُ ﴿2﴾ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴿3﴾
فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴿4﴾
(سورة الروم)
سجل إعجابك على الفيس بوك | أنا موجود على التويتر |
اليوم سأتكلم عن التنبؤ في المستقبل، وأبدأ رحلتي في التنبؤ من الناحية الدينية وبالخصوص بالإسلام والمسيحية، وأنتقل للخيال العلمي، ثم أتكلم عن التنبؤ من الناحية العلمية، هل من الممكن التنبؤ في المستقبل وما هي حدودنا؟
بعض القصص القرآنية تشتمل على قضايا تدل على أن بعض الأنبياء أو المقربين من الله كانت لديهم القدرة على التنبؤ في المستقبل، ومن القصص الشهيرة هي قصة الخضر مع النبي موسى عليهما السلام، فقد قابل النبي موسى الخضر، وطلب منه أن يتعلم منه ما قد علمه الله، يقول الله في كتابه الكريم: “فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا ﴿65﴾ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴿66﴾ قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿67﴾” (سورة الكهف)، وتبدأ رحلة التعلم هذه حينما ركب موسى والخضر سفينة، وحينما وصلا إلى الطرف الطرف الآخر من النهر أو البحر خرق الخضر هذه السفينة، هنا تضايق النبي موسى من عمل الخضر، واعتقد أن ما قام به الخضر كان خطأ، ثم بعد ذلك لقيا غلاما، فقتل الخضر هذا الغلام، فاستنكر موسى هذا العمل أيضا، فكيف للخضر أن يقتل نفسا زكية – كما جاء في القرآن؟ ثم بعد ذلك ذهبا إلى قرية، ولم تضيفهم هذه القرية، وكان في هذه القرية جدار على وشك السقوط فأقامه الخضر، ولم يأخذ في مقابل عمله أي أجر، عندها نفذ صبر النبي موسى (ع)، ولم يتحمل طريقة عمل الخضر، بعدها أنبأ الخضر موسى بأمور ستحدث في المستقبل دفعته للتصرف كما فعل، فأما السفينة، فخرقه لها كان من باب أن إبقاء السفينة على حالها يعرضها للخطر، حيث أن الملك في ذلك الوقت سيأخذ هذه السفينة لنفسه إذا ما وجدها سالمة من التلف ويحرم أصحابها المساكين، لذلك فقد أعابها حتى لا يطمع فيها الملك، أما بالنسبة للولد، فكان سيكبر الولد ليؤذي والديه إلى درجة أن يوصلهما إلى درجة الكفر، فقتله ليسيبدله الله بآخر أفضل منه، أم الجدار فكان تحته كنز لغلامين يتيمين، وحتى يحفظ هذا الكنز للغلامين اقام الجدار عليه إلى أن يأتي الوقت الذي يبلغ الغلامين ليستخرجا الكنز.
إذن، هذه هي ثلاث تنبؤات مستقبليه كشفها الخضر لموسى عليهما السلام، وأحب أن أضيف نبؤة أخرى إلى الثلاث ربما قد فاتت الكثير ممن يقرأون القرآن، حيث أنني أحيانا أسأل الأصدقاء عن عدد التنبؤات التي تنبأ بها الخضر، فيقال ثلاثة، ولكنها في الحقيقة أربعة، ففي بداية الرحلة أخبر الخضر النبي موسى أنه لن يستطيع الصبر على ما يراه، وتحققت هذه النبؤة، حيث أن النبي موسى لم يستطع الصبر خلال الثلاث تجارب التي مر به مع الخضر (عليهما السلام).
وكذلك في الآيات التي ذكرتها في بداية الحلقة، حيث أنزل الله في كتابه الكريم آية تتنبأ بحرب قادمة بين الروم والفرس يكون فيها الرابح هو الروم، وحسب قراءة سريعة للتاريخ وجدت أنه كانت هناك عدة حروب بين الفرس والروم بداية من 92 قبل الميلاد، وانتهت في آخر حرب سنة 629 بعد الميلاد، كانت هناك مجموعة من الحروب التي قامت بينهما خلال هذه الفترة، وفي تلك الحروب كلا الفريقي يحتل أجزاء من الأرض، إلى أن خرج هرقل في حرب لاسترداد سوريا في سنة 613 م، فخسر هذه الحرب أمام الجنرال شاهرباراز (Shahrbaraz) قائدة قوات الجيش الإيراني في أنطاكيا، فغزى الجيش الفارسي بعدها كل من فلسيطين ومصر، وبعد هذه الحرب وبعد دخول عناصر أخرى من دول أخرى في الحرب وصلت روما إلى حد الإنهيار.
نزلت الآيات الكريمة: “غُلِبَتِ الرُّومُ ﴿2﴾ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴿3﴾ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴿4﴾” لتبشر المؤمنين الذين تضايقوا لفوز الفرس، وفي اللغة العربية كلمة بعض تعني ما بين الثلاث إلى تسع سنوات، وفعلا بعد خسارته للفرس بدأ هرقل ببناء الجيش، فقلص الميزانيات الغير العسكرية، ووصل به الحد أنه أذاب لوحة الكنيسة (طبعا بدعم من البطريارق سيرجاياس (Sergius)) لدعم الجيش، وفي سنة 622 م قام بحرب – اتخذت طابعا دينيا – فتغلب على الجنرال الفارسي، واستكملت هذه الحروب في نجاحها من بعد تلك النقطة، وطبعا هذا أنهك الفرس والروم، وقبل أن تسترد أي من هذه الإمبراطوريتين عافيتهما فتحت ثغرة للمسلمين فاكتسحوا كلاهما.
وهناك أيضا تنبؤات في الإنجيل سواء في العهد القديم أو الجديد، حيث أن كلاهما يحتوي على تنبؤات بكوارث من حروب وتدمير وهناك أيضا تنبؤات عن الإسرائليين وعن اليسوع، فمثلا تنبأ اليسوع لأتباعه أنه سوف يسلم لكي يصلب: “تعلمون انه بعد يومين يكون الفصح و ابن الانسان يسلم ليصلب” (إنجيل متى – الإصحاح 26)، وقد قام رئيس الكهنة بالاتفاق مع مجموعة من الناس بالدعوة للقبض على يسوع ليقتل، وكذلك بالنسبة للوجبة الأخيرة التي تناولها اليسوع مع أتباعه العشاء الأخير كما جاء في إنجيل مرقس في الإصحاح 14.
أود، أن أبين ملاحظة مهمة، أن بحثي في هذا الموضوع غير دقيق وسريع، وبما أنني غير مختص في التاريخ فلا أستطيع أن أعرف التفاصيل بشكل دقيق، ولست مختصا في الدين أيضا لذلك قد تكون معلوماتي قاصرة في هذا المجال، والباب مفتوح لأي ملاحظات حول ما سردته الآن لتقويم هذه المعلومات.
ملاحظة أخرى: وهي أن ما سردته الآن ليس لأثبات أو نفي حقيقة المعلومة المذكورة في دين معين، هدفي من سرد هذه المعلومات هو أن أبين أن التنبؤ في المستقبل موجودة على مستوى الدين، وعرضت الأفكار من وجهة نظر الإسلامية والمسيحية من غير أن أناقش الفكرة لقبولها أو لرفضها.
الخيال العلمي والتنبؤ في المستقبل
لن يخفى عليكم أن الكثير من القصص أفلام الخيال العلمي تحدثت عن التنبؤ في المستقبل، فمن الأفلام المشهورو حول هذا الموضوع هو فيلم نيكست (Next) أو التالي، قصة الفيلم ترتكز على رجل لديه القدرة على رؤية المستقبل، بحيث يرى جميع الاحتمالات الممكنة لقيامه بعمل معين، فمثلا تخيل لو أنك تقرر أن تقود سيارتك، وشارفتْ إشارة المرور لأن تتحول إلى الأحمر، لديك اختياران، إما أن تسرع فتعبر التقاطع بسرعة في بداية تحول الإشارة إلى اللون الأحمر أو أنك تخفف من سرعتك لتقف، ماذا لو استطعت أن ترى نتيجة كل قرار تتخذه قبل أن تتخذه، ألن يحدد ذلك ما ستقوم به لاحقا؟ فلو علمت مثلا أن باجتيازك للإشارة ستصطدم بسيارة أخرى ألن يدعوك ذلك للتوقف، أو لو أنك رأيت أنك بعد أن تتوقف بصورة مفائجة عند الإشارة سيؤدي ذلك لأن تصطدم السيارة التي خلفك بسيارتك من الخلف، كيف ستتصرف؟ هذه كانت فكرة الفيلم، رجل يستطيع أن يرى جميع الاحتمالات فيتخذ أفضل قرار، وأيضا فيلم نوينج (Knowing)، حيث أن مدرس يكتشف من خلال تسلسل ارقام كتبت على ورقة ما سيحدث من كوارث في المستقبل. وهناك أيضا فيلم مشهور جدا اسمه مينوريتي ريبورت (Minority Report)، وفي هذا الفيلم يعتمد على 3 أشخاص لديهم القدرة على التنبؤ بالجريمة قبل حدوثها، ومن خلال المعلومات التي يقدمها الثلاثة البريكوجز (Precogs) – كما كانوا يسمونهم – تستدل شرطة مكافحة “ما قبل الجريمة” الجريمة قبل حدوثها، وحتى في فيلم الميتركس (Matrix) تكون فيه الأوركل (Oracle) لديها القدرة على التنبؤ في المستقبل، وأيضا فيلم فاينال دستينشين (Final Destination)، والذي فيه يرى شاب وفاة أصدقائه في كارثة كبيرة، فيحاول تفادي هذه الكارثة لإنقاذ نفسه واصدقاءه من الموت.
ربما من أروع القصص التي قرأتها في حياتي هي سلسلة “التأسيس” (Foundation Series) للكتاب الكبير آيزك أزيموف، أخبرني بهذه القصص صديقي العزيز جمال المطوع، وهو أيضا من محبي الخيال العلمي – سواء في القصص أو الأفلام، ولا نزال نتبادل معلومات عن الخيال العلمي بين الحين والآخر، وحينما اشتريت القصة الأولى في السلسلة، سيطرت هذه القصة على ذهني، فاشتريت باقي السلسلة والتي
تتكون من سبعة أجزاء، واضفت لها كتابا آخر كتبه كاتب آخر اضاف إلى السلسلة بعد وفاة آيزك، وقد حصل أزيموف على جائزة الهيجو (Hugo Award) في سنة 1966 وقيل أن سلسلة الكتب هذه كانت “أحسن سلسلة على الإطلاق”
وفكرة هذه القصص تتلخص في أن العالم الرياضي هاري سيلدون (Hari Seldon) أسس علما جديدا يسمى بـ: سايكوتاريخ (Phychohistory)، فيستخدم هاري قواعد رياضية تعتمد على التاريخ وعلم الاجتماع للتنبؤ في المستقبل إحصائيا، وهذه التنبؤات إلى حد ما دقيقة، ويكون هذا في المستقبل بعد أن استعمر الإنسان مجرة درب اللبانة وأنشأ فيها إمبراطورية ضخمة، فيتنبأ هاري سيلدون بسقوط هذه الإمبراطورية، ولتقليل المدة الزمنية التي تسقط فيها هذه الإمبراطورية الهائلة يستخدم تنبؤاته هذه للتقليل مدة عصر الظلام الذي سيواجه هذه الإمبراطورية بعد سقوطها، لن أكمل باقي الأفكار التي ترتكز عليها القصص، ولكن أنصحك إن كنت من عشاق الخيال العلمي أن تكون هذه السلسلة من ضمن مكتبتك.
ما يهمني من هذه القصص هي فكرة رئيسية في التنبؤ في المستقبل وهي استخدام الإحصاء، فشخص مثل آيزك أزيموف مطلع تماما على العلوم المختلفة كما يظهر من الكثير من الكتب التي ألفها في مجال العلم (آيزك ألف في حدود الـ 500 كتاب قبل وفاته، والكثير منها علمية بحتة، تفصل العلم بشكل مبسط لعموم الناس). فهو يعرف تماما أن فكرة الإحصاء يعتمد عليها العلماء للتنبؤ في المستقبل، وهي فعلا تستخدم من الناحية العلمية لمعرفة الكثير من الأمور التي تبدو لنا وكأنها عشوائية.
العلم والتنبؤ في المستقبل
ما هو موقع العلم من التنبؤ في المستقبل؟ إن كنت لم تنتبه فأنت لم تلاحظ أن العلم يتنبأ في المستقبل في كل شيء تقريبا.
واحدة من أهداف العلوم التجريبية هي أن تحاول التنبؤ بحالة الشيء في المستقبل عن طريقة مماثلته بالقوانين الرياضية، فمثلا إذا ما قذفت بصخرة بعيدا عنك بإمكانك التنبؤ أين ستسقط هذه الصخرة باستخدام حسابات رياضية دقيقة، أو مثلا في حالة إرسال مركبة فضائية إلى المريخ والتي قد تأخذ حوالي 6 أشهر للوصول (طبعا ذلك يعتمد على موقع المريخ وقت إطلاق الصاروخ) كل ذلك يعتمد على حسابات دقيقة لإرسال المركبة من الأرض لتنزل على سطح كوكب متحرك، كما لو أنك أردت أن تضرب طبقا يطير في الهواء باستخدام بندقية، وقد تم فعلا حينما أرسلت ناسا مركبتيها أوبرتيونتي وسبيريت (Opportunity) و (Spirit) إلى المريخ، كل هذا يعتمد على قوانين رياضية دقيقة.
طيب هل يعني ذلك أن التنبؤ دقيق إلى حد مطلق؟ بالطبع لا، لماذا؟ لأنه – وهذه نقطة أساسية جدا – أن لا يمكن لقانون رياضي أن يماثل الطبيعة 100%، التمثيل أو النمذجة التي تقوم بها هذه القوانين تكون فيها نوع من المثالية، حيث أن بعض الحالات (States) الطبيعية تشتمل عليها القوانين وأخرى لا تشتمل عليها، فمثلا لو أنك استخدمت القوانين لمعرفة أين ستستقط الصخرة بعد قذفها، السؤال هو هل هذه القوانين تشتمل على الهواء والاحتكاك وشكل الصخرة ودورانها، وعلى فرض أنها اشتملت على كل هذه المتغيرات أو الحالات، هل أخذ القانون بعين الاعتبار حركة يدك أثناء القذف؟ حتى في قضية إرسال ناسا للمركبتين، كنت أستمع للعلماء من ناسا في موضوع إرسالهم للمركبات للمريخ، فصحيح أنهم استخدموا القوانين لإرسال هذه المركبات وبدقة فائقة، ولكن وحسب تصريحهم أنهم أضطروا لإن يعدلوا على مسار إحدى المركبتين عن طريق الدفع الصاروخي مرتين على مدى الستة أشهر، فمع الدقة العالية لهذه القوانين إلا أنها لا تستطيع أن تتنبأ بكل تفاصيل الرحلة بدقة مطلقة.
حتى في قضية التنبؤ في الطقس، فالعلماء يعتمدون على تمثيل الطقس باستخدام قوانين رياضية، وهذه القوانين تأخذ في عين الاعتبار الكثير من الحالات، ولكن لا يمكنهم في الوقت الحالي التنبؤ بالطقس بدرجة دقيقة، فلا تزال الكلمات المستخدمة هي “فرصة” لهطول الأمطار، أو “إمكانية” تكون عواصف، وفي نهاية المطاف يقال: “الله أعلم”. بعض الدراسات الحدثية والتي حضرتها شخصيا في جامعة ساوثهامتون تتحدث عن أحدث الإمكانيات للتنبؤ في الطقس، قدرة العلماء على التنبؤ دائما تكون محدودة، فصحيح أنها تحاول أن تقترب من التنبؤ المثالي، ولكن الاقتراب من التنبؤ المتناهي الدقة غير ممكن لكثرة الحالات أو المتغيرات. وواحدة من الأمور العلمية اللطيفة هو مبدأ يسمى بـ “تأثير الفراشة” (Butterflty Effect) وهي فكرة تندرج تحت نظرية الفوضى (Chaos Theory)، والفكرة تحاول أن تصف مدى حساسية نظام معين بالحالات الابتدائية، أي أن نظاما دينامكيا متغيرا قد يتأثر بشيء بسيط في البداية مما
يحدث فيه تغيرات كبيرة على المدى البعيد، ارتبطت فكرة تأثير الفراشة بورقة علمية كتبها إدوارد لورنز (Edward Lorenz) في نظرية الفوضى، وتساءل: “هل رفرفة جناح الفراشة في البرازيل بإمكانها أن تحدث إعصارا في تكساس؟”، إذن فعملية التنبؤ في المستقبل تحتاج إلى معرفة أدق الأمور لتشمل الكثير الكثير الكثير من المتغيرات، والتي لا يمكن حتى لجميع الكمبيوترات اليوم على وجه الأرض من حصرها كلها.
نظرية الاحتمالات
إن لم نستطع أن نحصي جميع المعلومات، ولم نعلم ما في البر من ذرات تراب ولا ما في البحر من قطرات الماء، ولا كل ورقة تسقط ولا حتى كل حبة في ظلمات الأرض، فما ما الحل في وضع كهذا؟ كيف يمكن لأن نتنبأ في المستقبل إذا لم تكن لدينا القدرة على إحصاء كل هذه المعلومات؟ هنا تتدخل نظرية الاحتمالات (Probability)، الاحتمالات هو علم في غاية التعقيد، ولكنه يفسر الكثير من الظواهر ويتنبأ بالكثير من الحوادث المستقبلية بناءا على قوانين رياضية دقيقة، ولكن هذه القوانين في المحصلة النهائية تعطينا درجة احتمال وقوع حدث معين.
لنفترض أن تلقي بعملة نقدية في الهواء، ثم تسقط، وتتلقفها، ما هو احتمال وقوع هذه العملة على وجه دون آخر؟ لو أنك تكرر عملية إلقاء العملة عدد كبير من المرات ستكتشف أن فرصة أن تقع على أي من الوجهين هي 50% (طبعا هنا نظرية الاحتمالات تقول 0.5، ولكن للتسهيل نقول 50% من المرات التي ترمي بها بالعملة ستقع على الوجه الأول، و50% على الوجه الثاني). ولو أنك رميت بالنرد والذي فيه ستة أوجه (الأوجه فيها نقاط من 1 إلى 6) سيكون احتمال ظهور كل وجه هو 16.67%، نظرية الاحتمالات لا تستطيع أن تخبرنا أي من وجوه النرد ستظهر في المرة القادمة ولكنها تستطيع أن تتنبأ أنه فيما لو ألقيت النرد عدد كبير من المرات فإن ظهور أي وجه من الوجوه سيكون متساوي.
ما الفائدة من نظرية الاحتمالات إذا لم تستطع أن تتنبأ بالتحديد بما سيحدث بالضبط في المستقبل؟ بالإضافة لكون هذه النظرية تدخل في كل نواحي حياتك اليومية مثل التلفون النقال، والكمبيوتر، والإنترنت، والمبيعات، واختيار الرؤساء في الدول الديمقراطية، والتنبؤ في الطقس والزلازل، تكون الكواكب والنجوم، الخوارزميات، والدواء، والأمراض، والعلوم الاجتماعية، وحركة السيارات والطائرات، وفي اللغة و… و… و… فبالإضافة لذلك فقد صنعت هذه النظريات كبار ملياردريات العالم.
خذ على سبيل المثال البروفيسور وليام بنتر (William Benter) وضع قواعد رياضية احتمالية لسباق الخيول للرهان عليها، وصنع برنامجا باستخدام الكمبيوتر يراهن بناءا على هذه القواعد واعتمادا على حصر معلومات ضخمة (لكل حصان والخطوط التي تجري فيها وحتى قائد الحصان وسرعة الحصان خلال مناطق مختلفة أثناء السباق، وإذا ما إذا قد أزيح الحصان بارتطام حصان آخر به) يجمعها الكمبيتوتر من مختلف الجهات التي تراهن على السباق، ومن خلال مراهناته وتبعا للقواعد هذه عادت عليه مراهناته بعائد يقدر بـ 24%، إي إذا راهن بمقدار 1,000,000 دولار يربح 1,240,000 دولار. هل يستطيع برنامج البروفيسور بنتر أن يخبرنا أي حصان بالتحديد سيفوز؟ بالطبع لا، ليس هناك أي ضمان لهذا الشيء، ولكنه وبدرجة عالية من الاحتمالات يمكنه ضمان عائد كبير.
قس هذا على المدخول الهائل الذي تدخله كازينوهات القمار، مع أنها تعتمد على الاحتمالات، ولا توجد أي ضمانات في من سيربح (كازينو أم عامة الناس) إلا أن الكازينوهات هذه تربح مبالغ طائلة، فخذ على سبيل المثال أن احتمال ربح الكازينو في لعبة الروليت (Roulette Wheel) على اللاعبين بشكل عام هي 5.26% بالمئة (بالنسبة للروليت الإمريكي، و 2.7% بالنسبة للروليت البريطاني)، وحتى لو لم يتمكن الكازينو من معرفة ما إذا كان اللاعب التالي سيربح أو يخسر، ولكنه يعلم تماما أن لو لعب الآلآلف من الناس سيربح هو.
وينطبق هذا الكلام على أحد كبار المليارديرة في العالم والذي قيل عنه أنه: “الرجل الذي كسر بنك إنجلترا” وهو جورج سوروس (George Soros)، بلغت ثروته حوالي مليار دولار سنة 1992، يقال عنه أنه هو أيضا يستخدم الكمبيوتر للتنبؤ بحركة البورصة، فيقوم الكمبيوتر بشراء وبيع الأسهم من غير تدخل الإنسان، ويتعمد على القواعد الرياضية وحال البورصة في كل لحظة.
نقطة أخرى مهمة جدا في عملية التنبؤ في المستقبل من حيث استخدام نظام الاحتمالات، من المهم جدا أنه حينما يقوم الكمبيوتر بالتنبؤ في المستقبل – فيما لو راهن على حصان أو اشترى اسهما من السوق – أنه يشمل في حساباته تأثير مراهنته أو شرائه للأسهم على الحالة العامة، فحينما يتشري أسهما كثيرة فمن الطبيعي أن تتغير حالة السوق بشرائه لهذه الأسهم، وبالتالي على حركة الناس لشراء او بيع هذه الأسهم، فإذن التنبؤ في المستقبل يتحتاج تقييم التدخل دخل المتنبئ فيه ايضا.
طبعا هذا من ناحية القمار والأسهم، ولكن هذه الإحصائيات تشمل كل نواحي حياتك كما ذكرت في السابق، وبها من الممكن التنبؤ بالكثير الكثير، ولكن ليس بدقة متناهية، لماذا؟ لأنها لا تخبرنا بحدث معين، ولكنها تتنبأ بالتوجه العام للأحداث، والسبب في ذلك يعود إلى أن المعلومات غير متوفرة بالكامل.
الميكانيكة الكمية
لنفترض الآن أن في سنة 103,451 م تطور الإنسان بما فيه الكفاية ليصنع كمبيوترا هائلا بذاكرة ضخمة وبقدرات حسابية فائقة السرعة (اسمه هائيل)، وأدخل العلماء معلومات كل ذرة في العالم باستخدام مجسات تراقب حركتها، ولنفترض بعد ذلك طلب العلماء من هذا الكمبيوتر أن يتنبأ بالكارثة القادمة على أهل الأرض، وبعد حسابات على مدى أيام اخبرهم هائيل أنه بعد 50 سنة وتحديدا في الساعة 12:34:21 سيكون هناك زلزال مروع يصل إلى 10 على مقياس رختر مع عواصف وأعاصير مدمرة، فتجهز العالم لهذا الحدث الكبير، وفي سنة 103,501 م راقب العالم الكرة الأرضية من القمر (طبعا بعد أن غادر الأرض معظم سكانها ليسكنوا القمر مبتعدين عن الكارثة التي ستحصل)، وقبل حصول الكارثة المدمرة بدأت الأعاصير بالتكون وبدأت الزلازل بشق الأرض هنا وهناك، ولكن العلماء لاحظوا أن الزلازل هذه لم تتعدى الـ 5.0، ولم تتأثر الأرض ذلك التأثر الذي كان متوقعا، فتفاجأ العلماء لهذا لفشل التنبؤ فشلا ذريعا.
لماذا يا ترى لم يستطع هائيل التنبؤ بشكل صحيح بما سيحدث بعد 50 سنة؟ مع العلم أن جميع المعطيات التي لديه دقيقة جدا وشاملة لجميع ما في الأرض، ولنفترض أيضا أنه كان يحتوي على جميع المعلومات التي في المجرة بكاملها، نزيد على ذلك كل المجرات لا بل الكون كله، هذا يعود لخاصية وجوهر الجسيمات، فحسب مبدأ الربية لهيزينبرج (Uncertainty Principle) في عالم الميكانيكة الكمية أنه لا يمكن تحديد خاصيتين كميتين للجسيمات بمنتهى الدقة، فمثلا لا يمكن تحديد سرعة ومكان الجسيمات الصغيرة مثل الإلكترون بدقة متناهية، وبعبارة أخرى لا يمكن معرفة كل شيء بدقة متناهية مهما طورنا أجهزة القياس، وهذه الخاصية جوهرية هي في ذات الأشياء، وقد تكلمت عن هذه الخاصية في حلقتي الميكانكية الكمية في البودكاست، حيث أن في عملية قياس سرعة حركة الإلكترون مثلا، سيقوم الإلكترون بإخفاء مكانه، فلا يمكننا قياسه الموقع بنفس الدقة، فإذا لم نستطع أن نعرف حركة ومكان الذرات بدقة، فكيف نستطيع أن نحسب تصادمها ببعضها بدقة ومن ثم ثأثير حركتها للتأثير على الأرض لإحداث الزلازل والأعاصير؟
إذن هناك مبدأ اساسي كوني طبيعي يمتنع عن الفصح بالمستقبل مهما تقدم الإنسان بالأدوات التي يستخدمها لمعرفة المستقبل، فصحيح أننا سنحسن من المعرفة، ولكن لن نعرف المستقبل بكامل تفاصيله وبدقة متناهية، والله أعلم.
الحقيقة تدوينة أكتر من رائعة ,, من ساعة ما أعلنت عنها في تويتر اليوم صباحا وسمعتها مباشرة رأسي مشتعلة من كل الأفكار التي طرحتها في البود كاست حتى الأن :)عندي تعليقين فقط أحببت أن أشاركك بهم يا أخيأولا ,,مبدأ التنبؤ بالمستقبل بالنسبة لنا كبشر أعتقد يختلف عن المبدأ الإلاهي في الأديان المذكورة ,, لإنه علم وطريقة علم مختلفة تماما بأسلوب لا يعرف ماهيته إلا الله سبحانه وتعالى ,, لكن بأي حال هو يثبت نظريتك بأنه مبدأيا التنبؤ موجود بصرف النظر عن الأسلوب والطريقةثانيا ,, إقتنعت جدا جدا جدا بكلمتك عن إنه إذا توافرت لدينا المعلومات (الكاملة) والعلم بالظروف (الكاملة) لحدث ما ,, يمكننا توقع النتيجة بنسبة تصل لـ 100 %وأعجبني جدا المثال الذي ذكرته عن الزلزال الأرضي ,, ولكني أختلف معك قليلا في عدم إمكانية تحقيق ذلك ,, لإنه فعلا لا يمكننا ذلك (بطرقنا الحالية) لكني من فترة شاهدت حلقة للدكتور أحمد زويل يتحدث عن أخر المشاريع العلمية التي شارك بها وهي المايكروسكوب رباعي الأبعاد لمشاهدة الذرات ومكونتها بالتالي توقع حركتها ,, وكان من أمثلة إستخداماته هو فهم تحرك خلايا السرطان وبالتالي البدأ في علاجها ,, أي أنه القانون يمكن تحقيقه على الأقل في المستقبل ! :)تقبل خالص خالص خالص تحياتي وشكري وتقديري على البودكاست (مشعل الرأس) :)كريم علي
نسيت أن أقول لك أيضا عن المسلسل الأمريكيFlashForwardينتمي لنفس أسرة الأفلام التي ذكرتها
كريم علي العزيزأشكرك بحرارة على استماعك للبودكاست وعلى تعليقك اللطيف جدا، وبالنسبة للتنبؤ في المستقبل كبشر فهو فعلا يختلف تماما عن علم الله بالغيب المطلق الكامل، لذلك بعض الأنبياء والمقربين يعرفون المستقبل لأن الله أطلعهم على ذلك، وإلا لا يمكن بأي حال من الأحول أن يعلم إنسان غير متصل بالله المستقبل بشكل جازم، وربما البودكاست كله يركز على هذه الفكرة من الناحية العلمية، وهي عملية الجزمأما بالنسبة لقضية زويل ربما كما قال أنه يستطيع معرفة بعض الأشياء، ولكن لا أعتقد أن الدكتور الزويل أراد أن يوصل فكرة أنه بإمكان توقع حركة الذرات ومكانها بشكل مطلق، لأنه في كلامه هذا سيخالف مبدأ الريبة، واسمح في أن أقول هذه الكلمة مع كامل احترامي للدكتور أحمد زويل وجميع العلماء على الأرض، أنه على حد علمي وبمستوى العلم الحالي أنه لا يمكن لأحد أن يخالف مبدأ الريبة لهيزنبرج أبدا، بصراحة لا أتوقع أن يقع الزويل في هذا الخطأبالنسبة لفلاش فورورد، يبدو أنه فاتني، ربما أشتري الحلقات لاحقا، فأنا أحب مسلسلات الخيال العلميولك ايضا خالص خالص خالص شكري للمتابعة الطيبة، أنستني بتعليقك
لا أعلم حقيقة ربما لم أفهم الموضوع بشكل صحيح لو أن ما تقوله يتعارض بشكل قاطع مع النظرية التي ذكرتها ,, بحثت عنها على الإنترنت ولكني لم أصل لنتيجة أفهم منها الكثير ,, هل ممكن أن تدلني على مصدر أفهم منه مضمون النظرية ؟أو تحدثنا عنها في بودكاست جديد ! :)
أخ كريم، إبحث على الإنترنت عن موضوع مبدأ الريبة لهايزنبرج، هذه هي بعض المواقع على النتhttp://en.wikipedia.org/wiki/Uncertainty_principlehttp://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%A8%D8%AF%D8%A3_%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8A%D8%A8%D8%A9Youtubehttp://www.youtube.com/watch?v=KT7xJ0tjB4Aأنا طبعا أنصح بقراءة الكتب، ولكن المصادر المتوفرة على الإنترنت كثيرة جدا، وخصوصا بالإنجليزي، تستطيع البحث عنUncertainty principleهذا المبدأ يفرض نفسه على التنبؤ بشكل قاطع (على الأقل في الوقت الحالي)ـ
أشكرك بشدة أخي العزيز ,, لقد قرأت عنه في الإنترنت وسأقرأ عنه بتخصيص أكبر قريبا إن شاء الله ,, هذا الموضوع يستثير عقلي جدا جدا جدا أشكرك مرة أخرى:)
سبحان عالم الغيب والشهادة
شكراً دكتور محمد ونحن بإنتظار جديدك
موضوع جيد
اود ان اضيف شيئا التنبؤ بالمستقبل التنبؤ بالمستقبل موجود هناك بعض الاشخاص لديهم القدرات الخارقة لقراءة المستقبل مثلا في بريطانيا ديرين براون وفي امريكا كريس انجل وهناك وبعض الاشخاص الذين لايستطيعون الاعلان عن قدراتهم بسبب الدين لان معظم الديانات لاتسمح بذلك
للأسف هذه الأمور من الناحية العلمية غير صحيحة، لا يوجد أحد يستطيع التنبؤ بالمستقبل وإن تظاهر في مظهر يجعلك تعتقد أنه يقدر.
كنت ادور تفسير لحالتي بجوجل وطلع لي موضوعك . يمكن ماراح احد يصدقني ولا انا مصدقة اللي قاعد يصير لي ..بس اللي اعرفة انو هالشي قضاء من ربي وحكمة مايعلمها الا هو.. قلت ابي اكتب عن حالتي وافضفض لان محد يعرفني ولا اعرف احد ..المهم بديت اشوف المستقبل من يوم ما كان عمري 16 ومن يومها تزيد معاي التنبؤات اذكر اني كنت احاول اتنبأ بأسئلة اختبار بس عجزت اتنبأ .. ادري راح تقولون تستهبل هذي .. انا اقولكم , انا مااقدر اتحكم بتنبؤاتي يعني اضرب لكم مثال كنت بالمدرسة مجتمعين حنا وصديقاتي وكنا نسولف بمواضيعنا ,باللحظة اللي كانو يسولفون فيها شفت رجال كثار طالعين من استاد كورة والجو كان بارد حتى اني شميت ريحة المكان اللي هم فية وكان باين عليهم انهم فرحانين ويضحكون .. المهم لما جاء الليل شفت اخوي يطالع التلفزيون وقالي تو خلصت مباراة منتخب السعودية وفزنا .. اسألكم باللة يعني بنت مراهقة بجلسة سوالف بنات ماتطيق ولاتحب المباريات ولا سوالف الكورة ولا كانت تعرف انو اليوم مباراة المنتخب فجأة يجيها التنبؤ هذا.. عاد تصدقون ياليت تنبؤاتي كلها كورة وخرابيط أو احد يفتح علي الباب واكون عارفة انو راح يفتحة مشكلتي اني قاعدة اشوف اشياء اكبر من حجمي واكبر من عقلي انو يصدقها ادري بعضكم راح يقول ياليتني مكانها او ياليت هالقدرة هذي عندي بس صدقوني انابعد كنت راح اقول كذا بس لما يكون التبؤ بشي انت تستفيد منة ممكن تحسدوني علية بس انا اتنبأ باشياء تخليك عاجز .. حوادث تصير بمدن بعيدة وناس تموت ومابيدي اسوي شي ولا اقدر اساعد احد دايم اقول لية رب العالمين يوريني مصير اشخاص واشوف اشياء مافهما ولا لي دخل بها مثلا شفت اماكن اسلحة انا وين والاسلحة وين .. يعني والله تعبت لاني احس هالقدرة هذي لازم تكون لشخص ثاني اقوى واقدر مني لاني اول شي بنت وغير كذا ماعندي ثقة بنفسي ولا اقدر احرك ساكن يعني مابيدي اسوي شي وبنفس الوقت ماقدر اقول لاحد عن الشي اللي قاعد يصير لبس مالومهم لاني لو مكانهم ماصدق .. والله والله اني احيانا احس اني بفلم او لعبة يعني وش معنى انا اتنبأ ولية انا بالذات حتى الحين من كثر مااتنبأ صرت ما اقول اتنبأ بالمستقبل صرت اقول اتنبأ بالماضي لان احس ان كل شي قاعد يصير للناس والعالم عشتة من قبل وخلصت .. مدري بس انا احس كذا …………… على العموم ربي مايسوي شي عبث فية حكمة بالموضوع اذا ماعرفتها اليوم اعرفها بكرا .. .. وبس ادعولي احل زين بأختبارتنا لانها بعد الاسبوع الجاي .. ماقول الا الله ياخذ اللي اخترع شي اسمة سنة تحضيرية بالجامعه المفروض يسمونها سنة تعجيزية .. يالله الله يعين انشاءالله ……… ووووشكرأ
الصراحة انا عاجبتني القص والمعومات انا عمري 12 واخاف يكون في كلام خطأ وأخطئ تسئلون ليش اتفرج؟ فضووول انا ابي اعرف عن الاحلام وما اقدر اتحكم بحماسي واض اتكلم بنفسي من الحماس ابي اروح عالم الاحلام ودي احلم واكون سعيدة بأذن الله
كيف اصيطر على حماااسي