مستقبل البشرية 1: الطب
مقدمة
كنت أتحدث مع أحد الأصدقاء الأعزاء، وأخبرني أنني أصبحت أكثر جدية في البودكاست وابتعدت قليلا عن الخيال العلمي، حيث كنت في السابق أخلط العلم مع بعض الأفكار والقصص المشتقة من الخيال العلمي التي ترتبط بالعلم، مما يجعل المستمع يسرح قليلا بعيدا عن الآن والواقع الحالي وإلى المستقبل. وبما أنني كنت سأعمل حلقة عن مستقبل البشر قررت أن أقدمها على غيرها من الحلقات، وأخلط لكم بين العلم الحالي والتنبؤات المستقبلية وبعض ما تشاهده أو تقرأه في قصص الخيال العلمي.
التنبؤات المستقبلية لن تكون اعتباطية عشوائية، بل ستكون مرتكزة على العلم الحديث، وستعتمد على ما تراه الآن وعلى ما لا تراه مما هو حاليا موجود في المختبرات ومما يعمل يعمل عليه العلماء، وسيعتمد على الكثير من آراء العلماء أنفسهم، لماذا أؤكد على هذه النقطة، لأن ما سأقوله ربما سيبدو لك مستحيلا أو خياليا، فمثلا هل تتوقع أنه سيأتي اليوم الذي لن يحتاج فيه أحد لقيادة سيارته أبدا، بل ستقود السيارة ذاتها بالكامل وبلا أي تدخل البشر نهائيا؟ أو هل تقبل أن في المستقبل لن تموت من الأمراض التي تقتل البشر في هذه الأيام مثل السرطان، والقلب وغيره، وحتى طول العمر لن يتسبب في وفاتك؟ بل هل تقبل أنك سنتزل بضاعة ومشتروات ومنتجات من الإنترنت كما تنزل برنامج كمبيوتر من على الإنترنت؟ أو هل تصدق أنك في المستقبل ستفكر… وسيكون… أي أن أفكارك ستترجم إلى واقع عملي؟ أو هل تصدق أن أعضاء جسدك سيتم طبعاتها باستخدام آلة طابعة ثم يتم زراعتها في جسدك؟ أو أن مخك سيتم ربطه بأجهزة بحيث تزيد من قدراتك على التفكير؟ ربما يصعب عليك تصديق ذلك، ولكن تأكد أنني بعدما أنتهي من هذه الحلقة والحلقات القادمة سأكون إما قد غيرت من وجهة نظرك كلية أو أثرت فيك الفضول الكافي للتحقق من كل قلته لشدة غرابته.
أبق معي واستعد للمستقبل، واترك “كان يا مكان في قديم الزمان” لننظر إلى ما سيكون في آخر الزمان، ليس بالزمان البعيد، بل القريب، واربط حازم أمان العقل وإلا ستصاب بصدمة تلو الأخرى لما ستتعرف عليه عما يحدث الآن في المختبرات وما سينتج عنه في المستقبل.
بالتعاون مع شبكة أبو نواف أقدم لكم هذه الحلقة من السايوير بودكاست شبكة أبو نواف تقدم مواد ترفيهية وأخرى هادفة، ولاهتمامهم بتقديم مواد مفيدة وبناءة ترسل لكم السايوير بودكاست من ضمن باقتها المنوعة، ليصل البودكاست لمسامع أكبر عدد من أفراد العالم العربي.
الخيال العلمي والمستقبل
الكثير من المسلسلات والأفلام التي ترتكز على الخيال العلمي غالبا ما تكون فيها صورة عن بعض التطورات التي ستشهدها السنوات القادمة، الكثير مما يأتي في هذه المسلسلات يصدق على أرض الواقع، والكثير منها أيضا لا يصدق، خذ على سبيل المثال، الكاتب القصصي الشهير آرثر سي كلارك تنبأ بستلايتات تحوم حول الأرض في مدارات ثابتة جغرفيا في سنة 1945، وأنها ستستخدم للاتصالات، وتحقق ذلك فعلا، بالرغم من أن أول ستلايت حام حول الأرض هو سباتنيك (Sputnik 1) في سنة 1957، أي بعد فكرته بـ 12 سنة.
مثال آخر على تنبؤ قد يكون من أكثر التبؤات غرابة بالنسبة لي، أتى التنبؤ في قصة اسمها “منطق اسمه جو” (A Logic Named Joe)، كتب هذه القصة مري لينستر (Murray Leinster) في سنة 1946، هذه القصة تتكلم عن جهاز أو منطق، والمنطق مرتبط بشبكة كبيرة، وهذه الشبكة متصلة بخزائن (Tanks)، والخزائن هي مبنى كبير مليئ بجميع معلومات وحقائق الخلق كله، وكل خزينة متصلة بجميع الخزائن الأخرى في البلاد، يجلس الشخص أمام المنطق، والمنطق عبارة عن جهاز وشاشة وله أزرة، تضرب على الأزرة وتكتب على الشاشة كلمة معينة، هذه الكلمة تذهب للخزائن، ثم تعطي الشاشة ومضات متتالية حينما يرجع لك المنطق بالإجابة، فيجيبك عن السؤال، أسأله أي سؤال شئت ستحصل على الإجابة، حتى لو كان سؤالك عن حالة الطقس، حتى لو كان السؤال “أين هو زوجي الآن؟” أو “كيف أستطيع أن أكوّن الكثير من المال بسرعة” أو حتى “كيف أستطيع أن أقتل زوجتي من غير أن أكتشف؟” ، هذه المنطقية والخزائن غيرت من العالم كله.
ربما فهمت الفكرة، ولكن لأشرح للذي لم يستوعب هذه الفكرة المذهلة التي ظهرت قبل ظهور “فكرة” شبكة الإنترنت بما يقارب الخمسة عشر سنة، لاحظ معي أن المنطق الذي يتكلم عنi الكتاب يقصد به الكمبيوتر الذي بين يديك، وأن الخزائن هي الخادم أو السيرفر (Server)، وهي متصلة ببعضها البعض بشبكة الإنترنت، وأنك تستطيع أن تقوم بالبحث عن أي معلومة من خلال جوجل فتحصل على الإجابة، فعلا الكمبيوتر الذين بين يديك سواء أكان ذلك هو الكمبيوتر الشخصي أو الهاتف المتنقل، بإمكانك استخدام أي منها للاتصال بسيرفرات جوجل عبر الشبكة للتواصل مع كميات هائلة من المعلومات ثم الحصول على الإجابة الشبه مناسبة (ملاحظة، أعتقد أن الكاتب استخدم كلمة منطق ربما لأنه كان يقصد الدوائرة المنطقية)، إذن هذا الكاتب استطاع أن يتنبأ بوجود جوجل قبل ظهوره بأكثر من 50 سنة.
في الماقبل للقصص الكثيرة التي تحققت هناك الكثير من القصص التي فشلت بالتبؤ بالمستقبل بالشكل الصحيح، وهناك سببين لهذا الشيء، السبب الأول هو أن الكاتب الخيالي لا يتقيد بالضرورة بالقوانين الفيزيائية، فيبتعد كل البعد عن الإمكان، فمثلا، من الممكن أن يكتب قصة عن صناعة آلة أبدية الحركة، وهذه حسب قوانين الفيزياء لا يمكن أن تكون بإي حال من الأحوال، ففي هذه الحالة القصة لا يمكن لها أن تتنبأ بطاقة مستديمة لا نهاية لها، ولذلك التنبؤ هذا يفشل في المستقبل القريب والبعيد، والنقطة الثانية هي التوقيت، ربما يحدث وأن يتنبأ قصصي أو مستقبلي بمعالجة مرض السرطان أو الصلع أو مغادرة كوكب الأرض إلى كوكب آخر، وكل تلك جائزة، ولكن حينما يحدد وقتا معينا، فإنه قد يفشل في التنبؤ، فمن الصعب جدا وضع توقيت محدد لخبر مستقبلي، فقد تتحقق الفكرة في المستقبل، ولكن ليس على الجدول الزمني الذي يحدده القصصي أو المستقبلي.
هناك من يتنبأ ولكن على شيء من الحذر، فيقوم بمتابعة العلم الحديث وما يحدث في المختبرات، فيسقط نظره إلى المستقبل اعتمادا على المعلومات المتوفرة حاليا، فمثلا العالم الفيزيائي ميشو كاكو في كتابه فيزياء المستقبل (Physics of the Future)، يقدم تنبؤات للمئة سنة القادمة، وذلك اعتمادا على مقابلته لأكثر من 300 عالم في مجالات شتى، وهذه المجالات هي على حافة العلم، وعلى حافة الخيال العلمي من حيث اختراقاها لأحدث الأبواب العلمية، وكذلك ري كيرزوايل (Ray Kurzweil)، والذي كتب عدة كتب عن المستقبل بناءا على أبحاث كثيرة في عدة مجالات فيزيائية ورياضية وطبية وفنية… إلخ، تنبؤات هؤلاء تختلف عن القصصيين، حيث أنها مستندة على حقائق على أرض الواقع، وتلتزم بقواعد اللعبة الفيزيائية، ولكن تبقى هناك ناقصة واحدة وهي التوقيت، قد يصيب المستقبليين في التوقيت، وقد يخطئوا، ولكن بكل تأكيد الخطأ في التصويب سيكون أقل بكثير من الخيال الصرف.
في هذه الحلقة سأتكلم عن بعض جوانب المستقبل الطبي، وإن لن أتمكن من أن أحيط به كله لكثافة المعلومات التي فيه.
الطب المستقبلي
لو كنت من متابعي المسلسل الشهير ستار تريك (Star Terk) أو ستار تريك ذي نيكست جنيريشن (Star Trek the Next Generation) أو أي من الإصدارات التي تلتها، ستجد طاقما بشريا ينطلق بمركبة هائلة لاستكشاف الفضاء وللتعامل مع أحياء أخرى من كواكب مختلفة، وفي كل من هذه الحلقات كانت هناك أفكار تكنولوجية متطورة بشكل كبير لدرجة أن معضمها غير متوفر في هذا الزمن، وواحدة من تلك هي الترايكوردر (Tricorder) الطبي، وهو ماسح طبي خيالي يستخدم لتشخيص المرض من غير أن يحتاج الطبيب حتى للمس المريض، كل ما يفعله هو أن يمسك بالماسح بيده (وهو جهاز بحجم قنينة أحمر الشفاة أو أكبر بقليل من بعض الهواتف المتنقلة – على حسب الجزء من المسلسل) يحركه إلى الأعلى والأسفل على الجسم من غير ملامسته فيأخذ الجهاز القراءات لحالة الجسم ويحلل الأمراض.
قد تتساءل أنه كيف يمكن لجهاز صغير محمول أن يقوم بمسح الجسم ويغوص في داخل أنحاء جسم بلا أي تلامس ثم يعرض لك الحالة الصحية للمريض؟ هل يعقل ذلك؟ ربما لا تستطيع أن تتخيل أن يكون هذه الجهاز بحجم أحمر الشفاه أو الهاتف النقال، ولكن الكبير حاليا موجود، فجهاز الإف الإم آر آي (fMRI) يستطيع تصوير كل أعضائك من الداخل، ولكن هذا الجهاز كبير جدا، ويحتاج إلى غرفة كبيرة وتحتاج لأن تدخل بداخله حتى يتم تعريضك للمجال المغناطيسي الهائل ليتم تصوير جسدك، ولكن في المتسقبل سيتحول هذا الجهاز إلى جهاز محمول باليد وبإمكانه أن يقوم بنفس العمليات التي يقوم بها هذا الجهاز الضخم، هذه واحدة من الأجهزة التي يتنبأ ميشيو كاكو بوجودها خلال المئة سنة القادمة، وستكون واحدة من قدراته هي تصوير الجسم من الداخل مثل جهاز الإف الإم آر آي، وسيكون بإمكانه أيضا أن يفصّل بكامل أنواع الأمراض.
علماء من جامعة إمبريال كوليج لندن (Imperial College London) بالاشتراك مع مؤسسة أبحاث المواد السنغافورية، طوروا طريقة جديدة للأشعة التي من شأنها أن تحول هذا الجهاز الضخم إلى جهاز محمول في اليد، وتعتمد هذه التكنولوجيا على أشعة التي (T-Rays) أو الأشعة التي ترددها بالتيرا (10 وأمامها 12 صفرا)، حاليا هذه الأشعة مستخدمة في بعض المطارات، ولكن من خلال التطوير الجديد يمكن لهذه الأشعة من اختراق الجسم وتحديد خلايا سرطانية بدقة أكبر من الإف إم آر آي الحالي، والفريق الذي يعمل على هذه التكنولوجيا استطاع أن يطور هذه الأشعة بشكل أقوى باستخدام هوائيات نانوية، هذه ستكون متوفرة في الأجهزة الصغيرة المستقبلية.
لأقدم لك بعض الأجهزة التي يعمل عليها العلماء التي من الممكن أن تستخدم لتشخيص الأمرض بالإضافة للإف إم آر آي، قبل يومين فقط أعلنت جامعة أوكسفورد عن جهاز صغير بحجم ذاكرة الفلاش ميموري، يتم تركيبه على اليو إس بي (USB) الخاص بالكمبيوتر، كانوا يعملون عليه بشكل سري لثلاث سنوات، يقوم هذه الجهاز بسلسلة جينات البشر بالكامل خلال ساعات، ويمكنه أن يسلسل جينات الفيروس خلال ثوان، يستخدم هذا الجهاز نظام المسامات النانوية، تخيل أن قبل 5 سنوات كانت قيمة سلسلة الدي إن إي هي 10 ملايين دولار، ولكن سيمكنك شراء مثل هذا الجهاز بقيمة حوالي 900 دولار ربما خلال السنة القادمة. ما الفائدة من هذا الجهاز يا ترى؟ جيناتك تحتوي على الكثير من المعلومات عن قابلية جسمك للإصابة بأمراض القلب والسرطان والخرف وغيرها من الأمراض، بمعرفة السلسلة الخاصة بك، بإمكان الطبيب تحليل حالتك الصحية بشكل أفضل، إذن أضف هذا الجهاز للترايكوردر المستقبلي، وسيتم تحليل جيناتك في جهاز محمول على اليد، وستحمل معك أنت على شيء شبيه بالفلاش ميموري كامل خريطتك الجينية التي تكونك أنت شخصيا.
تخيل باستخدام هذه الخريطة يمكن أيضا معرفة مواصفات أي مجرم بمجرد معرفة الدي إن إي المكون له، فبالإمكان معرفة طوله، ولون عينيه، ولو شعره، وعرقه، حالته الصحية، وبالإمكان رسم شكل تقريبي للشخص من خلال خريطته الجينية، قد يصعب عليك تصور ذلك، ولكن خذ على سبيل المثال أنه حينما يولد توأم فإنهما يتشابهان بشكل كبير جدا في تسلسل جيناتهما، ولذلك الواحد يشبه الآخر، وذلك يعني أن الخريطة هي التي تعطي شكلا للشخص، وكأنما نعمل فوتو كوبي للشخص من خلال جيناته، فلو أخذنا هذه الخريطة الجينية بإمكان الكمبيوتر أن يحللها واحدة واحدة، ويرسم رسمة مقاربة لشكل الشخص، وبذلك تستدل عليه السلطات.
ماذا يمكن إضافته للتراكوردر أيضا؟ شركة مايكروسوف حاليا تعمل على عدسات توضع على العين مباشرة، تستطيع هذه أن تراقب مستوى السكر في الجسم، وسيقوم هذه جهاز بطلب مستوى السكر من العدسة لاسلكيها، وهذه التكنولوجيا موجودة حاليا في المختبر واللقطة التالية تبين هذه العدسة، تخيل أنك لا تحتاج أن توخز يدك بإبرة لأخذ الدم من الجسم وتحليله، لا داعي لذلك الإزعاج لا لك ولا لأطفالك، المراقبة تتم من خلال العدسة لمستوى السكر من خلال الدمعة، ولا داعي لأن تفكر في مستوى السكر مرة أخرى، المراقبة دائمة، ركب هذه العدسة على عينك، وأضف جهاز استشعار صغير للترايكوردر ليستشعر مستوى السكر.
[youtube=http://www.youtube.com/watch?v=WK9F221JF48&feature=player_embedded]
هذا جزء بسيط من أنواع المجسات التي بإمكانها أن تشخص المرض، وهناك الكثير مثل جهاز نانوي يستطيع أن يشم رائحة مرض القلب، وآخر لشم السرطان، بعبارة أخرى الجسم أو الفم يطلقان جزيئات في الهواء، وهذه الجزيئات تلتقطها الأجهزة الدقيقة، وتتعرف عليها وتنذر بالمرض، هنا أنا لا أتكلم عن خيال علمي، بل واقع وتجارب أجريت على الناس لأجهزة جديدة يتم اختبارها للتصنيع في المستقبل القريب، أضف كل تلك لترايكوردر.
أعلنت شركة الإكس برايز عن جائزة قيمتها 10 ملايين دولار لمن يصنع جهاز ترايكوردر يستطيع أن يشخّص 15 مرضا مختلفا، لابد لأن يكون الجهاز هذا خفيف بحيث لا يتعدى 2.5 كيلوغرام، المشكلة ليست في عدم إمكانية تشخيص الأمراض، هذه التكنولوجيا حاليا متوفرة، ولكنها إما أن تكون كبيرة أو متفرقة، القادم في المستقبل سيكون كل ذلك في جهاز صغير محمول في اليد في متناول الطبيب، الشركات لا تهتم لعشرة ملايين دولار في الحقيقة، لأن الأموال التي ستصرفها في صناعة النموذج (البروتوتايب) الأول سيكون أضعاف مضاعفة لقيمة الجائزة، ولكن هذه بالتأكيد ستكون مشجعة للشركات لمحاولة تطوير جهاز طبي كان خياليا في الماضي وليصبح حقيقة في القريب.
بل أكثر من ذلك، في خلال المئة سنة القادمة ستكون هذه المجسات في حمام منزلك وتكون متصلة بالكمبيوتر لا سلكيا، وإذا وقفت أمام المرآة وتنفست، ستقوم تلك الأجهزة بقياس حالتك الصحية، أو من خلال مجسات تقيس حالتك من خلال التبول في المرحاض، أو من خلال خلايا وجهك التي سقطت أثناء الحلاقة، وما أشبه، فتعرض لك المرآة حالتك الصحية، وستقوم بتوجيهك للطبيب إن كانت هناك حاجة لذلك، وتخيل أيضا أن ملابسك فيها مجسات، فلو خرجت من المنزل وحصل لك حادث سيارة، فعندها ستقوم ملابسك باستشعار وضعك الصحي، فتتصل ملابسك بالطبيب وتستدعي الإسعاف، وما على المسعف سوى أن يمرر على جسد الترايكوردر ويسجل حالتك الصحية بالكامل، ثم ترسل مباشرة للمستشفى، ويكون الطبيب بانتظارك ومعه كامل معلوماتك.
أنا شخصيا أرى أن مثل هذه الأمور ستكون متواجدة في الهاتف المتنقل أو على الأقل التحاليل والمعلومات ستتواجد على النقال في المستقبل القريب، لاحظ مثلا أن الكثير من الشركات أنتجت مجسات ممكن تركيبها على أنحاء مختلفة من الجسم، فترسل هذه المعلومات للآيفون، فيقوم الآيفون بإعطائك إحصائيات، خذ على سبيل المثال شركة ناكي، وضعت المجسات في الحذاء، حينما تركض أو تقفز أو تتحرك فإن الحذاء يسجل كل هذه المعلومات لتنتقل بعد ذلك للآيفون فيعطيك إحصائيات عن طبيعة نشاطك، وبذلك بإمكانك التنافس مع الأصدقاء لترى من يتحرك أكثر، أو مثلا الكثير من الشركات الآن صنعت أجهزة إما أن تربط على الرسغ أو الرأس، فتقوم بستجيل نمط نومك، فيعطيك إحصائيات في الصباح عن بداية النوم، وعن النوم العميق، أضف لذلك أنه يغير من تعاملك مع المنبه في الصباح، فبدلا من أن يفيقك في وقت يكون فيه نومك عميقا، وبذلك تقوم من النوم وأنت منزعج، ينتظر حتى تخرج من النوم العميق فيفيقك المنبه، وهناك أيضا قراءة ضغط الدم، ترسل هذه المعلومات للآيفون وتقدم لك بشكل مناسب، وكذلك دقات القلب ترسل للآيفون، كل هذه الأشياء متوفرة في السوق الآن، إذن، فلذلك من البديهي أن تكون المجسات الأخرى متصلة بالهاتف النقال، حتى تحصل على المعلومات الطبية التي تحتاجها عن نفسك في أي وقت وأي مكان.
[youtube=http://www.youtube.com/watch?v=SCJNPd-HYiM&feature=youtu.be]
هذه نبذة بسيطة من الإمكانيات، وإن كانت هناك أنواع كثيرة من المجسات التي تستشعر المرض، أما من ناحية العلاج، تخيل معي أن بعد أن يتم تحديد المرض يقوم الجسم بمعالجة نفسه بنفسه، كيف؟ ما سأقوله الآن سيبدو وكأنه خيال علمي، ولكن حقيقة واقعية اليوم، وهو قائم في المختبرات، وتستطيع أن ترى بعض النماذج منه من خلال اللقطات التالية.
الطبيب والدواء كلاهما معك طوال الوقت
نجحت جامعة الإم آي تي من إعطاء الدواء لمرضى من خلال رقاقة كمبيوتر (Chip)، ما المشكلة بالضبط؟ الكثير من المرضى يحتاجون لأن يتعاطوا الدواء إما من خلال حبوب أو من خلال أبر، وهناك مشكلتان تواجه الكثير من الناس وخصوصا في الكبار في السن، المشكلة الأولى هي مشكلة النسيان، والمشكلة الثانية هي مشكلة إزعاج وخزة الإبرة والذهاب للمستشفى لأخذها من الممرض، نجح العلماء في إعطاء 20 جرعة من الدواء لـ 7 نساء بين العمر 65 و 70 سنة، أدخلوا هذا الجهاز إلى داخل الجسم تحت الحزام بعملية جراحية مدتها 30 دقيقة، الجهاز التجريبي يأتي بعرض إصبعين وطول عقلتي الإصبع، كلما حان موعد الدواء قام الجهاز بإذابة خليط من المعادن التي تغطي فتحة مجرى الدواء عن طريق شحنة كهربائية، فيصب الدواء مباشرة في الجسم، ولذلك لا حاجة للمريض أن يفكر في تعاطي الدواء هو بنفسه نهائيا، أضف لذلك لو أن الطبيب احتاج لأن يقدم جرعة مضاعفة فبإمكانه أن يرسل إشارة لاسلكية إلى الجهاز ويشغل الجهاز مباشرة، بالطبع هذه الفكرة تحتاج لأن يكون هناك أمان من أن يدخل هاكر إلى الجهاز من الكمبيوتر ويصدر أوامر لاسلكية ويزيد الجرعة ويقتل المريض، ولكن هذه لاشك ستكون من أولويات الأطباء، جربت الإم آي تي هذه التجربة على النساء لمدة 4 أشهر بلا أية مشاكل، وسيقومون بزيادة عدد الجرعات إلى 400 جرعة في الجهاز الواحد.
أما في ناسا، فقد قاموا باختراع طريقة أخرى أفضل من السابقة ولها مميزات مختلفة، فمن المشاكل التي تواجه رواد الفضاء هي مشكلة المرض، تخيل لو أن رائدا للفضاء أراد الذهاب إلى المريخ، وفي الطريق أصيب بوعكة، أو أصابته الإشعاعات، ولم يكن الطبيب متوفرا في تلك الأثناء، قد يمرض وقد يموت، وخصوصا أن بعض الإشعاعات الشمسية تنطلق بشكل عنيف، وهذه تؤثر على مناعة الرائد أو حتى نخاع العظام، لذلك قامت ناسا باختراع كبسولة صغيرة أصغر من حجم كبسولة الأدوية المتعارف عليها، صنعتها من أنابيب نانوية كربونية (Carbon Nano Tubes)، تزرع عدة كبسولات من هذه في الجسم وفي عدة نواحي على حسب الحاجة، ولكل منها دور معين، ما تفعله هذه الأدويه أنها حينما تتأثر بالحالة المرضية للرائد تتفتت مباشرة وتنشر الدواء في أنحاء الجسم أو إلى المكان المخصص للدواء، وكل كبسولة تتأثر بنوع معين من الأمراض، وتخدم غرضا معينا، وتبقى في الجسم بلا أي أثر ضار إلى أن يرجع رائد الفضاء إلى الأرض فيقوم الطبيب إبزالتها، سميت هذه الكبسولة بالبايوكابسول (Biocapsule) (توجه للرابط السابق لترى لقطة تشرح الفكرة)، وفي المستقبل سوف تستخدم هذه لمرضى السكري، وستاهم في امتصاص الإنسولين.
قطع الغيار البشري
تعاطي الأدوية بالطريقة هذه ربما يكون مناسبا لأدوية الروتينية وبعض أنواع الأمراض، ولكن ماذا أصيبت معدة أو كلية أو قلب أو عضو آخر بخلل لا يمكن إصلاحه؟ ماذا لو تهشمت العظام، ماذا عن الأنف أو الفك أو أي جزء من أجزاء جسمك؟ سيكون بإمكان الأطباء التبضع لهذه الأجزاء وعلى حسب ذوقك أو حاجتك، هذه الأعضاء يتم إنمائها في المختبر حاليا، ويتم طباعة بعضها أيضا، خذ على سبيل المثال أن في سنة 2007 قام العلماء بإنماء المثانة، وفي سنة 2009 قاموا بإنماء القصبة الهوائية، ويعمل العلماء حاليا على إنماء الكبد، الصعوبة في الكبد أنه يتكون من عدة أنسجة، وهو معقد جدا بالمقارنة مع القصبة الهوائية أو المثانة، ولكن لاشك أن هذا سيحدث في المستقبل الغير بعيد.
أضف لذلك الطابعة الثلاثية الأبعاد والتي تستطيع أن تطبع قطع غيار الجسم، نعم، وقد ذهب صديقي إلى طبيب الأسنان هنا في الكويت، وبعد أن صور له ضرسه من عدة جوانب قام الطبيب بطباعة ضرس جديد باستخدام طابعة ثلاثبة الأبعاد، كان يستمع لصوت الطابعة أثناء طباعتها (لم أر الطابعة بنفسي، ولذلك يخيل لي صوت الطابعة التي تطبع الأوراق)، قد تقول أن طباعة الضرس عملية سهلة، الضرس صغير وليس فيه تعقيد كبير. يصعب علي أن اتفق مع أحد يسهل مثل هذه الطباعة، ولكن لنرفع من مستوى التحدي.
قبل أيام استبدل الأطباء الفك السفلي لإمرأة عمرها 83 سنة بفك مطبوع باستخدام طابعة ثلاثية الأبعاد، وكانت هذه أول عمليه من هذا النوع، أصيبت بمرض في فكها ففسد، المشكلة أنه في عمرها هذا قد تضرها عملية التجميل، ولذلك قرر الأطباء أن يستبدلوا فكها بآخر مطبوع، قد تتصور طباعة الفك هي عملية سهلة، ولكن ليست كذلك، فلابد للأطباء من الاهتمام شكل الفك الصناعي حتى تتصل به العضلات بشكل سليم، وكذلك بالنسبة للأعصاب والأوردة، بعد أن صمموا الفك، وطبعوه باستخدام الطابعة التي تستخدم الليزر لصهر مسحوق مادة التايتينيوم (كل طبقة تنتجها الطابعة كانت بسماكة 1 مليمتر، وهذه صغيرة جدا، وكل 1 مليمترا يحتوي على 33 طبقة من التاتينيوم المصهور الذي تم تشكيله على شكل فكها)، لم تستغرق منهم عملية الطباعة سوى ساعات، وزراعة الفك المطبوع في وجهها استغرق 4 ساعات، الجميل في ذلك كله أنها بعد أن أفاقت من المخدر استطاعت أن تنطق بمجموعة بسيطة من الكلمات، وفي اليوم التالي استطاعت أن تبتلع الطعام، وبعد 4 أيام رجعت إلى منزلها، الفك الصناعي أثقل من فكها السابق بقدر 107 جرام، وهذا يعادل ثلثي وزن الآيفون، وبعد شهر من الآن سيبدأ العلماء بتركيب اسنانها الصناعية.
حتى الخلايا البشري يتم طباعتها الآن في المختبرات، قرأت قبل فترة طويلة أن طباعة خلايا الجسد تتم بطابعة تستخدم نفس النفاثات التي تنفث الحبر في الطابعة الورقية، فعلا، ليست هذه مبالغة، ولكن الخبر الجديد الآن يقول أن الطباعة تطورت بحيث يمكن الآن طباعة خلايا القلب والأوعية الدموية والعضلات، وأن هذه الخلايا تتفاعل مع بعضها كما تتفاعل الخلايا في الجسد، وسيبدأ العلماء في القريب استخدام هذه الخلايا المطبوعة للدراسة الأدوية عليها، فبدلا من حقن إنسان بالدواء لمعرفة المضار، يمكن حقن هذه الخلايا بالدواء وإقامة التجارب عليها، وبالتأكيد حينما تنضح هذه الطريقة ستطبع الكثير من الأعضاء ويتم زراعتها في الجسم.
إذن، طباعة قطع الغيار الإنسانية ستكون متوفرة في المستقبل بكل سهولة، تدخل عند الطبيب وتخرج بأعضاء جديدة إما جاهزة أو مطبوعة لتناسبك شخصيا، لاحظ أيضا أن الأطباء قاموا بهذه العملية على إمرأة في سن متقدم، وذلك يعني أن العمر البشري يطول أكثر فأكثر، وكلما اهترأ شيء في جسدك لسبب أو لآخر ستيم استبداله، وستكون أعضاء جسدك متوفرة بكل أنواعها.