منذ أن أسس داروين نظرية التطور، ومبادئها تدعو الإنسان لإعادة تفكيره في الخلق، قد تكون هذه النظرية مثيرة للاهتمام، ولكن هل هي مفيدة من الناحية التطبيقية؟
بالطبع فإن نظرية التطور لها تطبيقات مباشرة في الحياة اليومية، وهذه اللقطة تشرح عدة تطبيقات عملية تؤثر في حياتنا، ولها الأثر الكبير على الغذاء الذي نتغذاه.
فمثلا، هناك القانون الأمريكي الذي لا يسمح للصيادين أن يبقوا على السمك الصغير بعد اصطياده، هدفه هو أن يحافظ الصيادين على صغار السمك حتى يكبروا، وبذلك تتكاثر الأسماك، ولا تفنى.
ولكن المشكلة أن الصيادين – وبعد فترة من تطبيق القانون – اكتشفوا أن السمك الذي يصطادونه أصبح صغيرا، فلم يتمكنوا من اصطياد سمكا كبيرا (النسبة انخفضت بالأحرى)، فما السبب في ذلك؟
اقترح البيلولوجي ديفيد أوكانفر، أنه قد يكون وأن السمك الصغير الذي يعاد إلى البحر أو البحيرة ليس صغار السمك من ناحية العمر، وأن ما يرى إنما هو خليط من الصغار والكبار في السن الذين لم يكونوا ليصبحوا بأحجام كبيرة. ومع الوقت، تطورت الأسماء لتصبح صغيرة الحجم. فقد نقلت صفاتها الوراثية التي تجعل الأجيال القادمة صغار الحجم.
وقد قام بتجربة علمية لإثبات ذلك الشيء، وقد أثبت صحة نظريته التي تقول أن إعادة السمك الصغير في الماء ينمي أسماك صغيرة الحجم مع مرور الوقت. ومن خلال معرفة هذه الحقيقة العلمية، سيتمكن السياسيين من إصدار تشريعات أفضل فيما يختص بهذا القانون.
وكذلك، من أين أتى مرض فيروس العوز المناعي البشري (HIV)؟ بدأ هذا المرض في الثمانيات، وأشار العلماء إلى بداية انتشار المرض من خلال شخص واحد في سنة 1984، وهو الذي لقب بالمريض الصفري. فأخذت الصحافة وعامة الناس باتهامه بذلك أيضا، ولكن علماء البيولوجي كانوا على اختلاف مع الأخبار السائدة.
ومن خلال نظرية داروين، التي تقول أن جميع الكائنات تتصل مع بعضها بصلات قرابة، قام العلماء بأخذ عينات من الفيروسات من عدة مرضى، وبدأوا بتكوين شجرة تطورية لها، تلك الشجرة التطورية يستخدمها علماء الجينات لحصر الكائنات الحية من حيوانات ونباتات. بالإضافة لذلك أحصوا التغيرات التي حصلت في الدي إن إي (DNA) لهذا الفيروس، وبحسابات إحصائية تعتمد على التغيرات التي تحصل للكائنات أثناء تطورها توصلوا إلى النتيجة التي تقول أن المرض بدأ حوالي سنة 1966، وذلك قبل المريض الصفري.
وقام العلماء أيضا بربط فيروسات HIV من عدة دول لإنشاء شجرة أدق، فاكتشفوا أن الشجرة تدل على أن الفيروس أتى من فصائل القرود، فقد اكتشفت العالمة بياتريس هان التي قامت بدراسة على خروج القرود أن فيروس إيش آي في موجود في الفضلات أيضا، وهو يتشابه مع الفيروس البشري، فارجع تاريخ الفيروس بعد ذلك إلى سنة 1900، لكونه بدأ في القرود. ويُعتقد الآن أن السبب في انتقاله إلى البشر هو أن صيادا في جنوب غرب الكاميرون أصيب بالمرض بعد أن انتقل إليه من خلال جرح أصيب به وهو يجهز لحم قرد ملوث.
فهم طريقة عمل الفيروس ساهم في معرفة كيف تنتشر، وربما سيقينا ذلك منه في المستقبل. وكذلك فإن نظرية التطور تساهم في حماية البيئة.
الأراضي المخضرة بدأت بالتحول إلى صحاري، ولم يكن أحد يعلم السبب في ذلك، العالم آلان سيفري من زيمبابوي كان يدرس صحة الكائنات الحية المختلفة، وبسبب فهمه لنظرية التطور نظر لها بصورة شاملة بدلا من أن ينظر إليها بصورة أحادية.
الكائنات الحية تتطور، وحينما تتطور فإنها تتأقلم مع البيئة المحيط بها، وكذلك فإنها تتأقلم مع الكائنات الحية الأخرى، فإما أن تتعاون معها (مثل النحل والورود)، أو أن تقضي عليها (من خلال الأكل مثلا). حينما تنتفي البيئة المناسبة للحياة، تنقرض معها الكائنات الحية التي تعتمد عليها للبقاء.
لاحظ آلان أن الحيوانات المتوحشة التي تتغذى على الحشائش بدأت بالانقراض، وذلك بسبب اصطياد الإنسان لها، ولفقدنها لبئيتها بسبب توسع الإنسان، اعتمد آلان على نظرية داروين والبحوث التي أقامها آندري فويسن في الحشائش، من تلك المعلومات أراد أن يعرف إن كانت الحشائش تعتمد على الحيوانات التي تتغذى عليه (وليس العكس)، فالملاحظة هي أن النباتات كانت تموت مع موت الحيوانات.
أتى بحيوانات مستأنسة ووضعها في منطقة كانت حشائشها في حالة فناء، ونظمها لتعيش بطريقة تحاكي حياة الحيوانات المتوحشة، وبعد سنة بدأت النباتات بالعودة، وبعد 3 سنوات ازدهرت. إذن، اكتشف العلماء – من خلال نظرية التطور – صلة التكافل التي تتكون بين الكائنات الحية والنباتات، فحينما تدوس الحيوانات بأقدامها على الأرض كانت تحرثها، وبخروجها تتعذى التربة، وبأكلها للحشائش الزائدة تنمو الفسائل الجديدة.
فهم كيفية عمل نظرية التطور، تساهم في إنقاذ البيئة لتبقى للأجيال القادمة.
هل نظرية التطور مهمة؟ بالتأكيد نعم، بالإضافة لكونها مثيرة، فإن النظرية توصلنا إلى اكتشاف أمور تغير من حياتنا.
المصدر: Stated Clearly