تعد مرحلة الشاتلبرونية (Châtelperronian) في منطقة منتصف فرنسا وشمال إسبانيا محل جدل بين الباحثين من ناحية الإدراك لدى النيندرتال (Neandertals) واستخدامهم للأدوات وعلاقتهم بالبشر الحديثين وكذلك من ناحية انقراضهم. بالرغم من الأبحاث العديدة حول هذا الموضوع، ما زال الخلاف قائما حول الطبيعة الحيوية لأفراد الفترة الشاتلبرونية، ولا توجد بيانات جزيئية معطاة مباشرة لعلاقة بشر النيندرتال مع الشاتلبرونيين. ولحل هذه المشكلة، استخدم فريق بحث عالمي تقنيات معاصرة لتحليل البروتينات الأثرية، بالإضافة إلى أدلة متعددة لإثبات أن أشباه البشر الشاتلبرونيين في منطقة غروت دو رين (Grotte du Renne) – منتصف فرنسا، هم نيندرتال.
باستخدام مطياف البصمة البيبتيدية (Peptide) لكشف بقايا أشباه البشر، استطاع الفريق أن يتعرف على 28 عينة من أجزاء عظام أشباه البشر، والتي لم يسبق التعرف عليها في الطبقات الجيولوجية للمرحلة الشاتلبرونية في تلك المنطقة. حيث جمعوا بين تقنيات متعلقة بالبروتيومات المستحاثة (Palaeoproteomic) والجينات الأحفورية لبرهنة الأصل النيندرتالي لتلك الشظيات، والتي تمثل -على الأرجح- بقايا رضيع. وتلاءمت نتائج التأريخ الكربوني الراديومتري (Carbon dating) المشع للأحافير مع نتائج الدراسة في الغلاف الشاتلبروني.
للمرة الأولى، شرحت الورقة العلمية قدرة البروتيومات المستحاثة على تمييز الأفرع الحيوية للأفراد بالمرحلة البلبستوسينية المتأخرة (أو كما تُعرف بمرحلة العصر الحديث الأقرب)، عن حدود الجنس البشري على أساس ترتيب الأحماض الأمينية فقط. حيث قال فريدو فيلكر (Frido Welker)، المؤلف الرئيسي للورقة العلمية من معهد ماكس بلانك لعلم الإنسان التطوري وجامعة يورك عن ذلك: “إن قدرة التمييز ما بين البشر الحديثين – النيندرتال والدينيسوفان (Denisovans) على أسس أبحاث البروتينات الأثرية – ستفتح فرصًا مستقبلية مثيرة لدراسة تاريخنا التطوري. وأضاف: “تحتوي تلك البروتينات الشبه بشرية الموجودة في العظام البيلوستيسينية على معلومات وظيفية وفيلوجينية في غاية الأهمية”.
على سبيل المثال، استطاع العلماء توفير سلالات شكلية، بروتومية وتناظرية لأدلة تقترح أن تلك العظام المحللة تنتمي لطفل رضيع. قال ماثيو كولنز من جامعة يورك: “ساعد التعرف على البروتينات المتعلقة بمراحل محددة من نمو العظام في إظهار أهمية أبحاث البروتينات الأثرية، وتحديدا في السياق متعدد التخصصات”. وأضاف طالب مرحلة الدكتوراه فيلكر: “توفر الطبيعة المحركة للبروتيوم العظمي الكثير عند استخدامها في دراسة وظائف ونمو أجنة الثدييات البيلوستيسينية، بما فيها أشباه البشر”
من خلال توفير بيانات الكربون المشع لإحدى العينات الشبه بشرية، أظهر الباحثون أن تلك العينات يمكن نسبتها إلى الأدوات المتقدمة التي وجدت في طبقات العصر الشاتلبروني في ذلك الموقع وعدة مواقع شاتلبرونية أخرى. وهذا يؤكد على استطاعة النيندرتال صناعة أدوات اعتقد البعض أنها لا تصنع إلا بقدرات إدراكية محصورة على البشر الحديثين.
علق جان جاك أوبله (Jean-Jacques Hublin)، مسؤول قسم تطور البشر في معهد ماكس بلانك لعلم الإنسان التطوري: “إن فهم عملية تبديل السكان الأصليين المحليين بالبشر الحديثين في يوراسيا لم تفهم بشكل جيد وكذلك بالنسبة لصُناع أدوات العصر الحجري المجهولين. وتساعدنا مثل هذه الأبحاث على استخراج أجزاء بشرية لم يُتعرف عليها في تجمعات المواقع الأثرية، كما تساعدنا على استخدام تقنيات جديدة لإعادة تفسير تلك الأحداث المهمة في تاريخ التطور الإنساني “.
المصدر: معهد ماكس بلانك، ويكيبيديا